تعديل اتّفاق الطائف بات ضرورة للطائفة الشيعية في لبنان قبل المارونية، وبات واقعاً أن يحاول "تيّار المستقبل" إيجاد المخرج اللائق للسير به من دون إحراج الطائفة السنيّة. الجميع على قناعة بأن اتّفاق الطائف شاخ باكراً ولم يعد صالحاً كدستور صُنع في المملكة العربية السعودية على قياس الطائفة السنّية المدعومة من المملكة نفسها.
وفي حين أنّ الكثيرين كانوا يعتقدون أن المتضرّر الأكبر من اتّفاق الطائف هم الموارنة، أدّت الممارسات على ما يزيد عن ثلاثين عاماً الى تأكيد تضرّر الطوائف اللبنانية على تنوّعها، خصوصاً وأن ما كان يُعرف بالمارونية السياسية والذي كان سبب امتعاض الطوائف الإسلامية منها، عاد وبأشكال أكثر تسلّطاً مع رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا منذ الطائف حتى اليوم وعلى رأسهم الحريرية السياسية.
أما الحاجة الملحّة التي تدفع بالطائفة الشيعية الى تعديل اتّفاق الطائف وإعادة الصلاحيات الى موقع رئاسة الجمهورية، فتكمن في الصراع الدائر بين الطائفتين السنية والشيعية والذي تخطّى لبنان والعالم العربي وبات أزمة عالمية ويشكّل تهديداً للسلم العالمي.
أما الأسباب التي تدفع الى حتمية تعديل اتفاق الطائف فيمكن تلخيصها بالتالي:
- بحسب المقرّبين من "حزب الله"، فإن وجود رئيس جمهورية مارونيّ مع صلاحيّات وازنة يمنع التفرّد بالحكم ويفرض توازناً سياسيا ولا يسمح لأي من الطائفتين المتنازعتين أخذ أي قرار يخدم مصالح المملكة العربية السعودية أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية على حساب الوطن النهائي الذي تأسس بفضل الموارنة.
- تحييد لبنان عن صراعات المنطقة والضمانة الوحيدة لذلك هم المسيحيون غير المرتبطين بأي دولة اقليمية والذين لا همّ لهم سوى قيام الدولة اللبنانية المنشودة.
- اقتناع "تيار المستقبل" أن الرئيس المارونيّ في لبنان ضمانة للعيش الواحد الذي ينادي به التيار، وغنى للبنان بالإضافة الى قناعة عربية ودولية بأهمية الحفاظ على الرئيس المسيحي اللبناني الوحيد في المنطقة التي تعيش صراعات طائفية.
- التخوّف السنيّ-الشيعيّ من التطوّرات الدراماتيكية في سوريا وعدم قدرة أي فريق من معرفة نتائج الحرب على المدى البعيد وما تأثير تلك النتائج على الوضع الداخلي اللبناني.
- فشل القيادات السياسية في الغاء الطائفية السياسية، بل على العكس سعيهم الى تأجيج نيران الطائفية السياسية التي أثبتت أنها الوحيدة القادرة على تعزيز زعاماتهم على حساب الكفاءة والقيادات الشابة.
- فشل القيادات السياسية أيضاً في الغاء المركزية الإدارية وتنظيم شؤون الدولة مع ومن دون حروب داخلية وخارجية.
- وجود حلفاء من المسيحيين أقوياء للطائفتين، فلا "حزب الله" يرضى بإلغاء رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون ولا "تيار المستقبل" يرضى بإلغاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بل أكثر من ذلك فإن "حزب الله" يصرّ في مواقفه على التأكيد على لبنان المتنوّع وأهميّة رئيس الجمهورية الماروني في حين أن "تيّار المستقبل" بات مدركاً بعد الفراغ الحاصل أن غياب الرئيس الماروني عن كرسيّ بعبدا يُضعف الدولة برمّتها.
- تسليم ثلاثيّ للطوائف المارونية والشيعية والسنيّة بقدرة أي واحدة على تعطيل البقيّة وضرورة تفعيل دور كل طائفة بما لا يقلّل من شأن غيرها.
- توافق دوليّ على أهمية الرئيس الماروني في لبنان وتعزيز صلاحياته خصوصا بعد التجارب غير الناجحة بإلغاء دوره على مستوى القرار اللبناني.
في الخلاصة يتّجه اتّفاق الطائف نحو تعديل جذريّ سيطيح بجوهره وسيعيد الكثير من الحقوق الى المسيحيين من دون المسّ بحقوق الطائفتين السنّية أو الشيعيّة، لا بل سيعزّزهما من خلال تحصينهما بالمنطق وسيجعل من الاتفاق بين الطوائف رافعة للمكوّنات اللبنانيّة كافّة. قد يقول بعض المعترضين إن "حزب الله" وصل أو أنه سيصل الى فرض المثالثة(1)، ولكن هل هذا صحيح؟ فلبنان لا يحكم الا من خلال التوافق بين مكوّناته، ولا عيب في استعادة الحقوق للطوائف جميعاً من دون تهميش أو إلغاء.
(1)تعود الاتهامات الموجّهة لـ"حزب الله" بالسعي نحو المثالثة إلى مطالبته بالمؤتمر التأسيسي، ولكنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كان قد نفى ذلك أكثر من مرّة، ومنها في خطاب له في السادس من حزيران 2014 أكد فيه أنّ الاتهام الموجّه للثنائي الشيعي بالسعي إلى المثالثة لا أساس له، داعياً للإتيان بدليل واحد على ذلك، وقال: "هذا أمر غير وارد بالنسبة لدينا ولم نفكر فيه ولم نطالب به ولم نسع إليه".