تستمر مبادرة العماد ميشال عون في مرحلتها الثانية، بعدما جالت وفود من "تكتل التغيير والاصلاح" على الكتل النيابية كلها لشرح المبادرة وأهدافها. وفي المحصلة العونية ان الجولة أسفرت، مسيحياً، عن التقاء 4 أقطاب مسيحيين على قاسم مشترك هو الاقرار بأن المرحلة السابقة اعترتها مخالفات فادحة على مستوى ميثاقية النظام والمؤسسات الدستورية، بمعنى تهميش المسيحيين في المؤسسات والادارات العامة. والاقطاب هم: البطريرك الماروني، أي بكركي برمزيتها، عون، سليمان فرنجية، وسمير جعجع، اضافة الى الطاشناق، وهم أصلاً حلفاء، ويعاني الأرمن التهميش عينه. و"رابطة الميثاقية" هذه تأمّنت من خلال أمرين: الأول هو الحوار بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" الذي أوصل الى تفاهم، وهيّأ الأجواء والمناخات على المستوى المسيحي للوصول الى المشاركة في هموم مسيحية، اذ ان حال عدم الثقة والابتعاد والنكران المتبادل لكل ما يواجهه الطرفان زادت في شكل كبير.
اما الثاني فهو مبادرة عون، وقد أتت بعد سنة على الشغور الرئاسي ووضعت مسألة النصاب وتعطيله في إطار مفهوم جداً، وشرحته وانطلقت منه لشرح المخارج، وأبرزها الشراكة المسيحية، مما سبّب صدمة ايجابية لدى بكركي، وخصوصاً ان هذه العملية انطلقت من واقع تمثيلي بين "القوات" و"التيار".
ووفق مصادر، كان اتفاق على القبول بمبدأ ميثاقية الرئاسة وتوصيفها بمعنى الرئيس القوي في بيئته والقادر على الجمع. فالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي كان متجاوباً مع مبادرة عون، وأراد اعطاءها مساحة في السياسة وفي الشكل كي تأخذ مداها، واستهوته فكرة العودة الى الشعب ومعرفة نبضه من دون أن يكون هناك أي تعديل دستوري. كما أن جعجع لم يرفض المبادرة بالمطلق، ولكن كانت لديه هواجس من إمكان الخروج على الدستور، فشرح له الوفد الذي زاره في معراب ان المبادرة لا تتضمن تعديلاً دستورياً.
ومع سليمان فرنجية الذي هو أصلاً حليف، كان تأكيد للمؤكد.
لكن، ودائماً وفق المصادر عينها، ان ما حصل في بكركي بعد لقاء البطريرك ومسيحيي 14 آذار والمستقلين، يشكّل تحوّلاً مفصلياً في الموضوع الرئاسي. فالبطريرك لم يجامل 14 آذار بعدم موافقته، باعتبار ان الاستحقاق تقني فقط، بل شدد على مواصفات الرئيس، أي يجب ان يكون قوياً ولديه تمثيل ربطاً بموقف المقاطعين، ولم يدع الى الانتخاب بالنصف زائداً واحداً، وما البيان التوضيحي الذي صدر لاحقاً الا دليل على مدى عدم تنسيقهم مع البطريرك وبعدهم عنه. ورغم التوتر والفتور اللذين سادا العلاقة احياناً بين البطريرك والعماد عون، ورغم الخلاف في الطريقة، يعبّر كلاهما في الاهداف والجوهر، عن حالة مسيحية متعطشة لإعادة التوازن الى النظام السياسي. اذاً، انتقل ملف الرئاسة الى مكان آخر غير النصاب، الى الميثاقية التي تشكّل الوجع الحقيقي للمسيحيين.
وما هو منتظر الآن هو استكمال العقد التطبيقي لما تمّ انجازه على الصعيد المسيحي والذي يخرق اصطفافي 8 و 14 آذار. كيف يتمّ ذلك؟ تقول المعلومات المتوافرة لـ"النهار" انه منذ 48 ساعة، ثمة حركة مكوكية بعيدة من الاعلام بدأت تنسج خيوط المرحلة المقبلة على صعيد الترجمة الممكنة لهذا الخرق، ويتولى هذه العملية النائب ابرهيم كنعان. وعلمت "النهار" انه في الايام الماضية التقى كنعان البطريرك الراعي وتشاور معه في كل ما هو مطروح على هذا الصعيد، كما التقى جعجع في السياق عينه، واستكمل الحلقة بلقاءات متفرقة مع شخصيات مسيحية حزبية وغير حزبية ذات تأثير ووزن، وجرت جوجلة نتائج هذه اللقاءات في الرابية مع عون.
وتفيد المعلومات ان الأيام المقبلة ستشهد تطوّرات مهمة، وخصوصاً بعد المواقف التي أطلقها عون في حواره في برنامج "بلا حصانة"، وقد اتسمت بالايجابية لناحية فتح الباب لما هو أبعد من "إعلان نيات" مع "القوات"، بحيث تحوّلت بحثاً جدياً في مبادرته. وبعد مواقف جعجع التي أطلقها أمس في برنامج "كلام الناس"، من المتوقع أن تكمل صورة المشهد بينه وبين عون، وبالتالي تفتح الحالة المسيحية على معادلة جديدة على أكثر من مستوى تركّز على الدور المسيحي في النظام في المرحلة المقبلة، وسترسي واقعاً جديداً أهميته أنه يفصل بين التحالفات السياسية للمسيحيين ووحدتهم على احترام المرتكزات الميثاقية التي قام عليها الدستور والطائف.