كشفت حادثة اعتداء عناصر أمنية فلسطينية على المراسل الصحفي في غزة أحمد فياض مؤخراً عن حجم الصعوبات التي تواجه الصحفيين الفلسطينيين خلال أدائهم لعملهم، والتي لا تقتصر على منعهم من ممارسة مهنتهم فحسب، لكنها تمتد الى المعاملة المهينة والاعتداء بالضرب والاعتقال.
ولم تكن حادثة الاعتداء على فياض الأولى، لكنها تضاف إلى حوادث اعتداءات وانتهاكات سابقة مماثلة، حسب ما توثق مؤسسات حقوقية وإعلامية فلسطينية، إذ رصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" 17 اعتداءً وانتهاكاً في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، خلال شهر نيسان المنصرم.
اعتداء وضرب..
يروي المراسل أحمد فياض لـ"النشرة" تفاصيل الاعتداء الذي تعرّض له، حيث يلفت إلى أنّ عناصر أمنية أقدمت على ضربه وجرّه من الطابق الرابع حتى الطابق الأرضي بالقوة أمام الضيوف والصحفيين خلال تغطية زيارة وفد تركي لمقر وزارة الاوقاف بغزة.
ويبدي فياض استغرابه استغرابه الشديد لرفض شرطة غزة مجرد قبول شكوى ضد المعتدين عليه، واعتقاله -قبل الإفراج عنه- بذريعة أنّ عناصر أمن تقدموا بشكوى ضده يزعمون أنه قام بالاعتداء عليهم. ويقول: "يا للعجب الصحفي أصبح بإمكانه الاعتداء على عناصر أمنية مدربة ومدججة بالسلاح، هل يمكن استيعاب ذلك؟"
ويلفت فياض إلى أنه كان يتوقع من وزارة الداخلية عدم كيل الاتهامات والافتراءات جزافًا ضدّه، والتريث قليلاً حتى تظهر نتائج التحقيقات، لتبيان مسؤولية من تسبب في هذه الحادثة.
إلا أنّ هذا الاعتداء أثار بعض اللغط في الساحة الفلسطينية، حيث أشارت وزارة الداخلية إلى أنّ فياض تطاول لفظياً وأعاق عمل رجال الأمن، الأمر الذي نفاه المراسل المذكور لـ"النشرة"، معتبراً أنّ توضيح الوزارة يحمل مغالطات وافتراءات.
الداخلية تنفي
عمومًا، نفى الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية إياد البزم في حديث لـ"النشرة" وجود أي اعتداء بالمطلق على حرية الصحفيين في غزة، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية ملتزمة بحرية الصحافة وعمل وسائل الإعلام، "ولا يوجد لدينا انتهاك لحرية عملها". وتحدّث البزم عن علاقة تكاملية بين رجل الأمن والصحفي في غزة، وقال: "نحن في غزة نسهل عمل وسائل الإعلام بشكل قد يكون غير موجود في أي دولة في العالم".
ورداً على سؤال حول تباين رواية الزميل فياض لنقابة الصحفيين الفلسطينيين عما أعلنته وزارة الداخلية، قال البزم: "لا يوجد نقابة صحافيين، وما حدث مع فياض أوضحناه وهو ما جرى بالتحديد، ولا يحق لأي صحفي أن يخرق القانون والنظام".
إلا أنّ نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، استهجن تشكيك البزم بوجود النقابة، وأوضح لـ"النشرة" أنّ "النقابة لا تأخذ اعترافها من جهاز أمني، ولكن من الصحفيين أنفسهم وهي هيئة من هيئات منظمة التحرير الفلسطينية، وموجودة وتدافع عن الصحفيين ولها مقر وعنوان ومجلس إداري وأمانة عامة والصحفيون يعرفونها ويتواصلون معها وتتعامل مع الجهات الرسمية وشرطة غزة على هذا الأساس".
وفي ما يتعلق بحادثة الاعتداء على الزميل فياض، أوضح الأسطل أن النقابة طالبت بالتحقيق في القضية والاعتذار للزميل فياض، "لأننا متأكدون وبحسب الشهادات التي حصلنا عليها من الزملاء الصحفيين الذين تواجدوا في المكان لحظة الاعتداء عليه أنه تعرض لإهانة بشكل كبير". وشدّد الأسطل على أنّ بيان وزارة الداخلية "شكل إساءة للصحفيين وإهانة أسوأ من الاعتداء"، لافتاً إلى أن الاعتداءات التي تحصل في غزة تأتي نتيجة عدم فهم واستيعاب من قبل أفراد الشرطة لطبيعة عمل الصحفي، مطالباً بتوعية رجال الأمن "إذ إنّ الصحفي يقوم بمهمة لا تقل أهمية عن رجل الأمن".
اعتداءٌ جماعي؟
ولا تُعتبَر حادثة الاعتداء على الزميل فياض يتيمة، فقد قام مؤخرًا عنصران أمنيان يرتديان الملابس المدنيّة بالاعتداء على الزميل أحمد حرب وصحافيين آخرين، خلال حراك دعا إليه نشطاء وشبان فلسطينيون للضغط على صنّاع القرار لتغيير الواقع الصعب في قطاع غزة بحسب بيان للحراك.
وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح حرب أنّ عددًا من الزملاء تم الاعتداء عليهم في نفس اللحظة من قبل عناصر أمنية، فيما حاول اثنان منهم سحب كاميرا الفيديو منه في محاولة لكسرها بعد أن قام بتوثيق اعتداء رجل أمن على صحفيين في ذات الحادثة. وتابع: "تعرضت لعدة لكمات على معدتي، في محاولة لأن أترك الكاميرا، لكني بقيت متمسكًا بها حتى تمكنت من الخروج من المنطقة".
ورغم أن أكثر من صحفي تعرض للاعتداء في ذات الفعالية، إلا أن داخلية غزة بررت ما حدث في بيان لها بالقول: "إنّ الشرطة تدخّلت بعد حدوث مشادات بين مجموعات من المشاركين فور انتهاء الفعالية، خشية تطور الأمر، وحفاظًا على حياة المشاركين والنظام العام".
اعتقال وتعهد!
أما الزميل أحمد أبو كميل، وهو مصور لأحد المواقع الالكترونيّة، فهو الآخر تعرض لمعاملة مهينة واعتقال أثناء تغطيته للتحرّك عينه، كما روى لـ"النشرة"، كاشفاً أن رجل أمن لاحقه بعد أن غادر الفعالية لحظة الاعتداء على الصحفيين، وسأله: "ماذا تصور؟" فردّ بالقول إنه قام بتغطية الحراك بشكل عادي بكاميرا الفيديو. وأضاف: "قلت لرجل الأمن بإمكانك أن ترى ما صورت، لكنني تفاجأت باعتقالي ووضعي في سيارة تابعة للأجهزة الأمنية".
وأوضح أبو كميل إنه تعرض لمعاملة مهينة من قبل عناصر الأمن، الذين اقتادوه إلى مركز شرطة الشجاعية وصادروا الكاميرا الخاصة به وبطاقته الصحفية وكل محتوياته الشخصية. وتابع: "أخبروني أنهم لن يفرجوا عني إلا بعد مشاهدة ما قمت بتصويره، فقلت لهم بإمكاني أن أطلعكم على ما قمت بتصويره، فجاء أحدهم وأمسكني من رقبتي بطريقة مهينة وقال لي: "إذا بتتكلم بخنقك".
وأفرج عن الزميل أبو كميل بعد ساعة من اعتقاله، وقد أجبروه على التوقيع على تعهد بعدم استخدام المواد المصورة التي وثقها للحراك، وبعد ثلاث ساعات أفرجوا عن الذاكرة والشريط المصور.
انتهاك للقانون
في غضون ذلك، عزا مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس، تكرار حوادث الاعتداء على الصحفيين، إلى الانقسام الفلسطيني، معتبراً إياه جزءًا من العناصر المنتجة لكل ما يسيء لواقع الحال الصعب في قطاع غزة، مشدداً على أن إنهاء هذه الظواهر في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة مرتبط بتوحيد المؤسسة من خلال الحفاظ على القانون وسيادته.
وفي حديث لـ"النشرة"، رأى يونس أنّ "الاعتداء على الصحفيين هو انتهاك للقانون، من المهم معالجته بطرق صحيحة، ودون تنفيذ القانون تبقى المشكلة قائمة"، موضحاً أنه على منفذ القانون أن يراعي محددات وضوابط القانون والتحقيق يجب أن يسفر عن نتائج محددة بحيث ألا يتكرر السلوك.
وأضاف: "حرية الصحفيين مكفولة وفق القانون، ويجب أن توفّر لهم الإمكانيات وأن يعملوا في بيئة تساعد على نقل الحقيقية، ولا بد من تفعيل أدوات المحاسبة والرقابة على الجهات المكلّفة والمنوط بها في تطبيق القانون".
هل أصبح الاعتداء ظاهرة؟
وفي الوقت الذي عبّر فيه النائب عن حركة "حماس" ورئيس لجنة الرقابة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعي الفلسطيني يحيى موسى عن رفضه الاعتداء على أي شخص في المجتمع الفلسطيني، قال: "أتمنى على الصحفيين أن يتعاملوا مع حقوق رجل الأمن الذي له أكثر من عام لا يتلقى راتباً ولا زال يخدم الصحفي وغيره داخل المجتمع الفلسطيني ويحقق له الامن"، متسائلاً: "أين المانشيتات الصحفية والجهد الصحفي الذي يتعامل مع هذه الحقوق؟"
لكنّ المصوّر الصحفي أحمد حرب يردّ على موسى بالقول: "وما ذنبنا كصحفيين بعدم تلقي رجل الأمن الراتب؟ هذا تبرير لجريمة الاعتداء، هم يعتبرون الصحفي مقاومًا وأي اعتداء عليه هو اعتداء على المقاومة، متسائلاً: "هل نحن من يمنع عنه الراتب؟"
وقال النائب موسى لـ "النشرة"، "إنّ أكثر منطقة فيها احترام للصحفيين عموماً في الوطن العربي على الأقل هي قطاع غزة، وعندما يقع حادث عرضيّ لا يكون متعلقا بسياسة محددة، بل عندما يتدافع اهل الصحافة باتجاه مسؤول ما بشكل خشن مع رجل الأمن، وهذا الاحتكاك أحياناً يُحدث إشكالا"، مضيفاً: "ليس بالضرورة أن يكون الخطأ على الشرطي فقد يكون على الصحفي".
أخيراً، تبقى الاعتداءات والانتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين موجودة في ظل غياب الإجراءات والقوانين الرادعة لمنع تكرارها من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.