لماذا تُقرع طبول الفتنة في البقاع؟
هل حان وقت إشعال نار الفتن في الداخل اللبناني؟
مَن يتحمّل المسؤولية الدينية والتاريخية في حال اندلاع حرب مذهبية لا تُبقي ولا تذر؟
كيف يمكن لوطن التعايش والتعددية أن يتجنب السقوط في مهاوي العنف والثأر والحقد؟
تساؤلات، وغيرها كثير، فجّرت هواجس القلق والحذر لدى اللبنانيين، على إيقاع هذه الحملة المتصاعدة ضد عرسال، وأهلها الطيبين، الذين يدفعون الأثمان الباهظة لتلكؤ الدولة وعجزها، عن حمايتهم من تسلّط المسلحين من جهة، ومن حصار الأشقاء وأبناء العم، من جهة ثانية!
لا بدّ من الاعتراف أولاً بأن ثمة إشكالية حول الوضع في عرسال، يريد البعض أن يجعل منها مشكلة، ويحوّلها إلى أزمة أمنية ووجودية، تبرّر له استهداف البلدة وأهلها في حرب مدمرة، رغم ما يترتب على مثل هذه الحرب من زلازل وارتدادات، قد تعمّ مختلف المناطق، وبالتالي تهدد وحدة الأرض والشعب.
إذا كان ثمة رغبة بمعالجة وطنية صحيحة وصحيّة لوضع عرسال، فالمجال مُتاح أمام القوى السياسية المعنية، وخاصة تيّار المستقبل وحزب الله، للتوافق على خطة أمنية تكلّف القوى الشرعية من جيش وقوى أمن، بتنفيذها برعاية ومواكبة السلطة الحكومية، خاصة وأن التوافقات السابقة بينهما، على الخطط الأمنية، قد أعطت ثمارها، في أكثر من منطقة مضطربة.
أما إذا كانت ثمة نوايا لاستهداف عرسال، وتكرار مَشاهِد الفتن المشتعلة في سوريا والعراق واليمن، فهذا يعني الإطاحة بكل ما تبقى من أسس ومبادئ للعيش المشترك بين اللبنانيين، والذهاب إلى جهنم الحروب الطائفية والمذهبية، وما يحصل فيها من أهوال ومجازر تفجّر الأحقاد المدفونة منذ مئات السنين، وتُنهي أسطورة التعايش والاختلاط بين أبناء الديانات والمذاهب، وتفتح أبواب الفرز الديموغرافي، الذي يتناسب مع الخرائط المسمومة الموضوعة لتقسيم بلدان المنطقة، وإنشاء الدويلات الطائفية والعنصرية على أنقاضها!
* * *
ليس في هذا الكلام أي تهويل ومبالغة، بقدر ما هو محاولة لاستكشاف تداعيات الانزلاق إلى الفتنة العمياء في عرسال، بغض النظر عن الشعارات والمسميات.
ذلك أن اندلاع معركة عرسال، لن يُبقي نيرانها محصورة في البلدة وجرودها، بل ستتحوّل الأرض اللبنانية كلها، من الشمال إلى الجنوب، ومن الساحل إلى البقاع، إلى ساحة معركة، تسقط فيها كل الضوابط الراهنة، وتجرف معها منطق ومواقع الحوار والاعتدال، وتُشرّع دعوات العنف والغلو والتطرّف، بحجة الدفاع الوجودي عن العرض والعائلة والطائفة، بعدما فشلت محاولات التنسيق والتعاون بين أهل الاعتدال، للتصدي لموجات التطرّف والعنف والإرهاب.
الكلام عن حق عشائر بعلبك - الهرمل في الهجوم على عرسال، بحجة تحرير جرودها من «داعش» و«النصرة»، يعني استدراج «المقاتلين الإسلاميين» ليس إلى البلدة الصامدة وحسب، بل إلى كل المناطق اللبنانية، حيث تشتعل فيها المواجهات الدموية من قرية إلى أخرى، ومن شارع إلى آخر، بل من بيت إلى آخر، وتتحوّل البيئة الحاضنة للاعتدال والوحدة الوطنية والإسلامية، إلى مرتع للعنف، تحت ضغط الدفاع عن النفس والعرض والوجود!
* * *
التصعيد في الخطاب السياسي لحزب الله ضد عرسال، وما يواكبه من حملات تعبئة وتجييش وتحريض في القرى البقاعية المجاورة، يطرح أكثر من علامة استفهام كبيرة:
لمصلحة مَن تفجير الفتنة المذهبية في لبنان؟
هل تكون من باب الرد على ما يجري في اليمن بعد إفشال المخطط الحوثي في الانقلاب على السلطة؟
أم هي من باب الانتقام للتقدّم المطرد لفصائل المعارضة السورية على مختلف الجبهات المشتعلة في شمال سوريا وجنوبها؟
أو أن ثمة مخططاً لاستنساخ مشهد «الحشد الشيعي» في العراق، والإطاحة بآخر مقومات الجمهورية، وتفكيك مفاصل الدولة، بغية إعادة تركيبها بصيغة المؤتمر التأسيسي المزعوم؟
* * *
خُـيّـل لكثير من اللبنانيين أن معركة جرود القلمون، التي انتهت بتأمين أوضاع القرى الشيعية المجاورة للأراضي السورية: من بريتال إلى رأس بعلبك، خيّل لكثيرين أن تلك المعركة ستكون آخر معارك الحزب في المنطقة، بعدما دفع خطر «داعش» و«النصرة» عن تلك القرى.
وبموازاة هذا الواقع الجديد، كان الجيش والقوى الأمنية يعززان وجودهما وانتشارهما في عرسال، وسط ترحيب وتعاون ظاهرين من الأهالي، إلى جانب التدابير التي أدت إلى الإمساك بالمعابر الفاصلة بين الجرود والبلدة، والتضييق على حركة المسلحين، وقصف تجمعاتهم بشكل متكرر، وأدى كل ذلك إلى نشر أجواء من الارتياح والاطمئنان في البلدة، والحد من التجاوزات والاختراقات.
فلماذا هذا الإصرار على إعادة الأمور إلى نقطة الصفر... بل إلى نقطة التفجير المدمر للبشر والحجر؟