تزكم رائحة "حلاوة النص" من شعبان(1) انوف الصيداويين والعابرين منها، قبل اسبوعين ويوم على بدء شهر رمضان المبارك، وتلون واجهات محال بيع الحلوى التي تزدحمم عادة في مثل هذه الايام، بالمواطنين الذين يقبلون على شرائها ليتناولوها او يقدّموها ضيافة لزائريهم أو هدايا للاهل والاقارب الاصدقاء كتقليد صيداوي ينبئ ببدء العدّ العكسي لموعد حلول شهر رمضان المبارك.
وتلقى "حلاوة النص" أو "الجزرية" وهي حلوى تصنع من "اليقطين" اقبالا من المواطنين تمسكا بهذا التقليد الديني الاجتماعي واستعدادا لاستقبال رمضان المبارك بنفحات من الايمان بعد احياء ليلة النصف من شعبان بتلاوة القرآن الكريم وسيرة الرسول المصطفى، بينما يقبل عليها أصحاب محال الحلوى لما فيها من ربح مادي، اذ انها تباع بكثافة لافتة في يوم محدد من العام ولذلك ارتبط اسمها به، حلاوة النصف من شعبان... ويستمرون بصناعتها حتى نهاية شهر رمضان لتتحول في بقية ايام العام الى حلوى عادية بين عشرات الاصناف التي تشتهر بها المدينة.
وعملية التحضير لصنع "حلاوة النص" او "الجزرية" طويلة وتمر بمراحل عديدة تبدأ مع قطاف "اليقطين" وهي قرعة دائرية الشكل كبيرة في شهري نيسان وايار من كل عام، ثم تخزن الى الموعد المحدد وهي تبقى سليمة من التلف ما لا يقل عن ثمانية اشهر بسبب قشرتها السميكة.
وعند بدء الصناعة، يقشر اليقطين بواسطة منشار خاص عبارة عن سكين كبيرة ذي اسنان حادة ومربوط بخشبة للتحكم به ثم يقطع ويبرش بواسطة آلة كهربائية، وتكون صفوة "ماء الكلس" قد تم تحضيرها وتصفيتها بعد خلطها بالماء لمدة خمسة ايام متتالية، قبل ان ينقع "اليقطين" فيه لمدة تتراوح بين 2 ـ 4 وفق نوعيته، اذا كان قاسيا فالوقت الاقصر واذا كانت طريا يحتاج الى الاطول حتى يشتد ويقسو ويعطي طعما لذيذا، ثم يغسل 7 مرات بالمياه الحلوة حتى لا "يسودّ".
خبرة وجهد
عبد السلام الاسود، واحد من الذين احترفوا صناعة هذه الحلوى منذ 40 عاما، يملك محلا في ساحة "الشهداء" وسط مدينة صيدا يقول "اثناء طبخ "اليقطين" يوضع بوعاء نحاسي كبير وليس من الالمنيوم، ويحتاج الى نار قوية جدا ويبقى لمدة ساعتين تتدنى فيها النار تدريجيا ريثما يكون قد جف "القطر" وكل هذا يتطلب خبرة وجهدا كبيرا في "تحريكه" بشكل دائم و"قلب الطبخة" بين الحين والآخر"، مشيرا الى ان الوعاء المتعارف عليه يتسع عادة بين 30 و35 كليو من "اليقطين" تتحول في نهاية المطاف الى ما يقارب 20 إلى 25 كليو من "حلاوة النص" او الجزرية" ومع اقتراب الانتهاء من الطبخ تعطي الجزرية لونها البرتقالي، لون الجزر، ولذلك سميت بهذا الاسم، قبل ان يضاف اليها ماء الزهر ثم تترك كي تبرد وتباع في اليوم التالي بعد ان يضاف عليها نوعا من المكسرات وغالبا الجوز او اللوز كي تعطي نكهة خاصة".
انواع واسعار
ويشرح الاسود ان "حلاوة النص" او "الجزرية" تباع في المحال بثلاثة انواع: "المفرطة" وهي الجزرية العادية، و"المضغوطة" وهي الجزرية الناشفة وتوضع وتضغط في قالب خاص ويضاف اليها السكر الناعم حتى تقسو اكثر، و"السوداء" وهي تطبخ مثل العادية، لكن يُضاف اليها لون الكولا والجوز بكثافة ويتراوح ويباع كيلو الجزرية وفق نوعيته والمكسرات المضافة اليه وهي عادة الجوز واللوز.
وتختلف الأسعار بين المحل الشعبي والباتيسري "المودرن"، ففي محل شعبي في صيدا يباع الكيلو بـ 8 آلاف ليرة لبنانية، وقد نشتريه من محل أرقى بـ 10 ألف ليرة لبنانية، ليصل إلى 12 ألف ليرة في الباتيسري ذات الإسم العريق والديكور الفخم، وفي كل الاحوال يتراوح الكيلو بين 10 و12 الف ليرة، فكيلو المفرطة 10 الاف، بينما المضغوط الناشف والسوداء 12 الف ليرة لبنانية.
ويؤكد الاسود ان صناعة هذه الحلوى تحتاج الى خبرة واناءة، يسيل لعاب الانسان دون ارادة امام منظرها الشهي الزهري، قبل ان يضيف ان الاقبال على شراء هذه الحلوى هو يوم في العام كله، أي النصف من شعبان تمسكا بالسنة النبوية والعادات والتقاليد الصيداوية.
حلويات رمضان
ويصف علي الخطيب هذه الحلوى بانها لذيذة، ويقول: "صحيح انها موجودة طوال الايام في محال بيع الحلوى ولكن لمناسبتها الاهمية، فنقدم على شرائها في النصف من شعبان كل عام كتقليد مستحب، اذ اعتاد الصيداويون احياء ليلة النصف من شعبان بتلاوة سيرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وصوم نهاره، ونرى محلات الحلوى وخصوصا التي تبيع الجزرية المعروفة بـ "حلاوة النص" تعج بالزبائن لشراء هذه الحلوى مع السمسمية والبندقية وغيرها مما يعطي لهذا اليوم نفحة خاصة تهيئنا لاستقبال الرمضانية ويقدمها الصيداويون هدية الى الاهل والاقارب والاصدقاء كعربون محبة واستعدادا لقرب حلول شهر رمضان".
وتعتبر صناعة حلاوة النص او الجزرية تهيئة للبدء بصناعة حلويات رمضان، ففي النصف من شعبان تبدأ محال الحلويات بالعودة إلى الأجواء الرمضانية، حيث الإزدحام والإقبال على الشراء، فتعد العدة لتقديم أشهى الحلويات التي تشتهر بها مدينة صيدا، من حلاوة النص، الجزرية والفستقية، مروراً بالمدلوقة وحلاوة الجبن والعثملية، وصولاً إلى البقلاوة والسنيورة والقطايف، كل ذلك يتناغم مع المشروبات من: التمر الهندي، والعرق سوس، والجلاب، وقمر الدين..
(1) شهر شعبان هو الشهر الثامن من السنة القمرية أو التقويم الهجري، وهو الذي يسبق شهر رمضان المبارك. والخامس عشر منه يصادف هذا العام في الثاني أو الثالث من حزيران بحسب التقويم الميلادي، نظراً للاختلاف في بداية الأشهر الهجري بين المراجع الإسلامية السنية والشيعية.