قد يعتقد البعض أن الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله هو الذي حرّك عشائر البقاع ودفع بها للنزول الى الشارع مدججةً بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة ومهددةً بإقتحام جرود عرسال بهدف تحريرها من إرهابيي "جبهة النصرة" و"داعش" إذا لم تقم الدولة بواجبها على هذا الصعيد. خطاب، صحيح أنه أعطى الضوء الأخضر لهذه العشائر كي تتحرك، غير أنه لم يكن السبب الوحيد الذي حرّكها، كما أنه لم يشكل الشرارة الأولى لهذه التحركات "لأن إستفزاز الإرهابيين لمكونات المجتمع في منطقة بعلبك-الهرمل سبق بكثير إطلالة السيد نصرالله"، تقول أوساط العشائر البقاعية.
القضية بدأت تحديداً بعد تصفية العسكري المخطوف محمد حميّة من قبل إرهابيي "جبهة النصرة" في جرود عرسال، تتابع الأوساط عينها، يومها إختلف الوضع الأمني في البقاع عما كان عليه قبل هذه الجريمة. نفد صبر العشائر، ووصلت الرسالة الى حزب الله وحركة أمل بوضوح تام، "لا مونة لكم علينا بعد اليوم". فالقضية لم تعد قضية عائلة حميّة حصراً. تحركت فعاليات كل العشائر البقاعية في إتجاه دارة المخطوف، وهناك كان تأكيد على وحدة الصف والموقف والتحرك، "العسكريون المخطوفون أولادنا جميعاً، وكل شيء مسموح بعد اليوم لتحريرهم". اللافت في ثورة العشائر هذه، تخطيها كل الخلافات السابقة فيما بينها، حتى أن هناك في البقاع من يروي عن عشائر، بينها وبين عشيرة آل حمية ثأر قديم، تخطته، وكانت من بين الذين زاروا دارة الشهيد معربين عن تضامنهم التام مع ذويه ومعلنين مشاركتهم بأي تحرك إحتجاجي أو أمني يساعد في حل القضية الكبرى، قضية مخطوفي الجيش وقوى الأمن الداخلي لدى "جبهة النصرة" و"داعش".
منذ جريمة محمد حمية، عمدت العشائر الى تسيير مواكب سيارة عدة في البقاع الشمالي قاصدة أحياناً الأوتوستراد من دون أن تقتصر جولاتها على الطرقات الفرعية فقط، وفي كل هذه الجولات السيارة، رفعت سلاحها عالياً، سلاح يبدأ عياره من المسدسات وبندقيات الكلاشنيكوف، وينتهي على الأقل في الظاهر، عند حدود قذائف الـ"أر بي جي".
لدى العشائر أكثر من سلاح للضغط على الإرهابيين، كما يقولون و"في معركة كهذه، لن نوفر سلاحاً، وجرود البقاع محتلة، والسكين على رقاب أولادنا. مخيمات النازحين السوريين التي لا ينفك الإرهابيون عن المطالبة بعدم التعرض لها، أولاً، إعتداءات وتهجير الى مناطق أخرى، خصوصاً بعد تأكد الجميع في لبنان، دولة وأجهزة أمنية وعشائر، أنها تحوي المئات لا بل الآلاف من المسحلين الذين ينتمون الى التنظيمات الإرهابية، وحادثة الثاني من آب الشهيرة في عرسال خير دليل على ذلك. ثانياً، أهل عرسال، الذين ليس لديهم من ممر الى بلدتهم إلا طريق اللبوة، هذا الطريق الذي قد نلجأ الى قطعه بين لحظة وأخرى، وإذا قررنا ذلك فما من أحد يستطيع أن يمنعنا من التنفيذ، وإذا تم اللجوء الى هذه الخطوة، لن نسمح بالمرور إلا لآليات الجيش اللبناني".
في الجلسة مع فعاليات العشائر، يتردد أكثر من مرة التهديد التالي "إياكم إذا قطعنا طريق اللبوة أن تقولوا لنا هذه المرة فلتفتح أمام شاحنة مساعدات غذائية وإنسانية، لأن ما من منطق في العالم يقول إن الإرهابيين تسري عليهم المعاهدات الإنسانية ونحن على قناعة بأن بلدة عرسال لا تزال تحتضن حتى اللحظة الكثير من المسلحين الإرهابيين، ولا يقتصر الأمر فقط على تمركزهم في جرودها".
بين جريمة حميّة وخطاب السيد نصرالله الأخير، خفّت وتيرة التحركات العشائرية في إنتظار تطورات ميدانية مساعدة في القلمون، أما اليوم وبعدما تمكن الحزب من تنظيف الجرود الحدودية من الناحية السورية ووصل الى تخوم عرسال، ربما يكون قد حان الوقت كي تخرج العشائر عن صمتها وتعود بسلاحها الى الشارع من جديد، راكبة موجة خطاب "السيد" ومعربة عن إستعدادها للمشاركة في أي عملية أمنية لتحرير ما هو محتل في الجرود، أما السؤال الذي يطرح، فهو، في ظل غياب الدولة عن شارع العشائر وتحركاتها، الى أي مدى يستطيع الحزب أن يضبط إيقاعها عند أي تطور ميداني من دون أن تخرج الأمور عن سيطرته؟