على الرغم من نجاح الحكومة المصرية، في عقد مؤتمر يضم العديد من القوى والشخصيات السورية المعارضة، على مدى يومين في القاهرة، لا تنظر جهات فاعلة في هذه المعارضة بعين الرضى لهذا الإجتماع، بسبب عدم وضوح نتائجه، بالإضافة إلى غياب "الإئتلاف الوطني" المعارض عنه.
منذ إسقاط النظام المصري السابق، برئاسة محمد مرسي، لم يجد "الإئتلاف" في النظام الجديد، برئاسة عبد الفتاح السيسي، جناحاً داعماً له على المستوى الإقليمي، لا بل أن الخلاف بين القاهرة وأنقرة في المواقف دفعه إلى الريبة منه، خصوصاً أن الكيان السوري المعارض يعتبر من أبرز أجنحة تركيا السياسية في سوريا.
اليوم، بعد تراجع نفوذ حزب "العدالة والتنمية" في الإنتخابات التشريعية التركية، ودخول أنقرة في أزمة سياسية كبيرة قد تؤدي إلى ولادة حكومة جديدة لا تضع السياسات الخارجية على رأس قائمة أولوياتها، ترتفع هواجس بعض المعارضين السوريين من الدور المصري على نحو واسع، خصوصاً جناح حركة "الإخوان المسلمين"، مع العلم أن إجتماع القاهرة عقد بعد يوم واحد على إنتهاء الإستحقاق الإنتخابي التركي.
في هذا السياق، يكشف مصدر مطلع من داخل "الإئتلاف"، عبر "النشرة"، أن فكرة عقد مؤتمر جامع لقوى المعارضة ليست جديدة على الإطلاق، وهو يشجع على هذا الأمر منذ فترة طويلة، على أساس رؤية سياسية واضحة، تغيب عن ذلك الذي عقد في القاهرة، خصوصاً أن الموقف المصري من مسألة دور الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الإنتقالية غامض.
ويرفض هذا المصدر المشاركة في صياغة وثائق وبيانات غامضة بعد اليوم، ويشير إلى أن موقف "الإئتلاف" من هذا الإجتماع ينطلق من هذه النقطة، ويشير إلى أن من بين المجتمعين في مصر شخصيات موقفها ملتبس وأخرى مقربة من النظام، في الوقت الذي يشارك فيه شخصيات ليس هناك أي شك في وطنيتها.
مصدر آخر، من "الإئتلاف" نفسه، يعتبر، عبر "النشرة"، أن النظام المصري الجديد ليست لديه أي رغبة في تقويض نظام الحكم الحالي، ويشير إلى أن هناك توجهاً على ما يبدو لإعادة تشكيل مشهد المعارضة السورية، ينطلق من السعي إلى التأثير في قراراتها وبنيتها، ويؤكد رفض هذا الأمر لأن تداعياته ستكون خطيرة جداً، خصوصاً أنه يعكس صورة وجود معارضة مشرذمة.
ويشدد هذا المصدر على أن "الإئتلاف"، الذي لا يراهن على نتائج هذا المؤتمر، يعتبر نفسه غير معني بأي إلتزامات تصدر عنه، على إعتبار أنه غير مشارك في إجتماعاته، ويتهم الحكومة المصرية بالعمل على إعادة تسويق النظام السوري بطريقة غير مباشرة، لا سيما أن في الوثائق ليس هناك من نص صريح يؤكد عدم مشاركة الرئيس السوري الحالي ومجموعته في العملية السياسية المقبلة.
وفي حين يتحضر المؤتمر لعقد مؤتمر لقوى المعارضة السورية، في العاصمة السعودية الرياض، تتمنى مصادر "الإئتلاف" أن لا يكون مؤتمر القاهرة مقدمة لتعطيله، وترفض الإتهامات بأنهم رفضوا المشاركة بضغوط تركية، وتعتبر أن أنقرة، نتيجة المعطيات الميدانية والسياسية، قادرة على أن تكون مؤثرة في الوضع السوري أكثر من القاهرة، على عكس ما هو الوضع عليه في ليبيا.
في المقلب الآخر، ليس لدى القوى المشاركة في هذا المؤتمر أية هواجس من الدور المصري، لا بل هي تراهن على دور القاهرة العروبي في الدفع نحو حل سياسي، لا سيما أن ليس لها أية أطماع في سوريا، على عكس أنقرة التي كانت تنظر إلى دمشق على أساس أنها جزء من أراضي "السلطنة العثمانية".
ويشير مصدر مطلع شارك في مؤتمر القاهرة، عبر "النشرة"، إلى أن مصر قادرة على لعب دور كبير في المرحلة الراهنة، ويرى أن حل الأزمة السورية يجب أن يكون تحت إطار وثيقة جنيف الأولى، أي عن طريق هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات المدنية والعسكرية قادرة على حكم البلاد.
بالنسبة إلى موقف "الإئتلاف"، لا يعتبر هذا المصدر أنه قادر على أخذ القرارات المستقلة عن الرغبة التركية، ويكشف عن ضغوطات تعرضت لها بعض الشخصيات التي كانت تنوي المشاركة في مؤتمر القاهرة، ويعتبر أن أنقرة ليست جزءاً من الحل بل من المشكلة، في ظل دعمها بعض الجماعات الإرهابية المرفوضة من كافة أطياف الشعب السوري.
ويوضح المصدر نفسه أن المؤتمر إرتكز بشكل أساسي على مقررات جنيف 1، وعلى رفض التدخلات الخارجية من أي جهة كانت، سواء كانت داعمة للنظام أو معارضة، وعلى دعوة المقاتلين الأجانب إلى الخروج من الأراضي السورية.
في قراءة مصادر متابعة لهذا المؤتمر، من داخل المعارضة السورية، كل ما يحصل هو جزء من الصراع الدولي لإثبات النفوذ في سوريا، حيث تشير إلى أن القاهرة هي الرابح الأول من خلال قولها أنها لا تزال قوة إقليمية، في حين هي تحتاج لمن يساعدها على معالجة مشاكلها الداخلية، ومن المعروف أنها غير قادرة على الخروج من العباءة السعودية في السياسة الخارجية.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن الحل لا يمكن أن يكون إلا بتوافق روسي أميركي بالدرجة الأولى، الأمر غير المتوفر في الوقت الحالي، ما يعني أن كل هذه المؤتمرات لا قيمة لها على أرض الواقع حيث تشتد المعارك يوماً بعد آخر، وتضيف: "بالأساس الأراضي التي هي خارج سيطرة القوى النظامية هي بيد مجموعات لا تمون عليها كل قوى المعارضة السياسية".
في المحصلة، نجحت مصر في إثبات عودتها إلى الساحة الإقليمية، من خلال هذا المؤتمر، لكن المعارضة السورية فشلت مرة جديدة في توحيد صفوفها أولاً، وفي طرح حل قابل للحياة ثانياً، بعد أن دعت إلى التفاوض مع الحكومة على أساس رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي من المستبعد القبول به.