بعد أن أصبحت فلسطين عضواً رسميا في محكمة الجنايات الدولية(1)، صار بإمكانها محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين ومقاضاة دولة الاحتلال على مختلف الجرائم التي ارتكبتها في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، لكن ثمة ضغوطات يمكن أن تقف عائقاً أمام نجاحها، خاصة في ملفي جرائم الحرب على غزة والاستيطان.
على أهمية ذلك، يؤكد سياسيون فلسطينيون أن القيادة الفلسطينية ستنجح فعلياً في محاكمي مجرمي الحرب، رغم أنّ خطوة الانضمام للجنايات قوبلت بمعارضة حادة من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، في وقت يقول مختصون إن الإرادة السياسية متوفرة لدى القيادة الفلسطينية لأجل المضي في معركة الجنايات الدولية.
سننجح!
برأي رئيس الهيئة القيادية العُليا لحركة "فتح" في قطاع غزة، يحيى رباح، فإنّ القيادة الفلسطينية ستنجح في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين بعد أن انضمت رسمياً لمحكمة الجنايات الدولية، ويشير في هذا السياق إلى أنّ هذه المحاكم تحاكم أفراداً وليس دولاً بغض النظر عن مواقعهم ومراتبهم في الدولة، وهذا يمهد الطريق أمام محاكمة قيادات الاحتلال الاسرائيلي.
وفي حديث إلى "النشرة"، يقول رباح: "نحن قدمنا ملفين، الأول متعلق بجرائم الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وقد بدأت تقارير فعلية عن الأمم المتحدة تكشف عن جرائم الاحتلال سواء في ما يتعلق باستهداف الأطفال أو مدارس اللجوء في غزة وغيرها، والملف الثاني الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة".
ويوضح رباح أن هذه الملفات التي قُدّمت هي خطوة أولى وليست نهائية، إذ إنّ هنالك ملفات أخرى لها علاقة بحقوق الفلسطينيين وانتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. ويضيف: "لدينا خبراء فلسطينيون لديهم الخبرة في آليات عمل هذه المحاكم الدولية، وقد استعنّا فيهم لتدقيق هذه القضايا والملفات ومتابعة القضايا التي رفعتها السلطة ضد مسؤولين اسرائيليين".
ليس بمنأى عن الضغوطات
وفيما يشير رباح إلى أن القيادة الفلسطينية ستنجح في محاكمة مجرمي الحرب، يرى النائب عن كتلة "التغيير والإصلاح" في المجلس التشريعي الفلسطيني يحيى موسى أنّ الأمر بحاجة لعملٍ مضنٍ ودعمٍ ومهنية عالية من أجل الوصول الى حالة التحرر من الاحتلال والتخلص من كل اثاره، لافتاً إلى أنه "إذا توفرت كل الشروط بدءاً بالإرادة السياسية الصلبة وبخطة واستراتيجية وطنية يمكن أن تنجح السلطة في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين". ويشرح موسى أنّ الأمور تبقى محدودة في المقابل إذا كان الانضمام لمحكمة الجنايات قد أتى في إطار أوراق ضغط والتلويح بها لأجل عملية سياسية وتسويات.
وفي حديث لـ"النشرة"، يشير موسى إلى أن المنظمات الحقوقية ليست بمنأى عن الضغوطات من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، ويضيف: "هم لديهم قدرات كثيرة بأن يعطلوا ويتدخلوا بطريقة أو بأخرى ويخففوا من بعض القضايا على شاكلة التحقيقات التي تجري الآن عن الجرائم التي ارتكبت في غزة كي تبقى في صالح إسرائيل". وإذ يصف المنظمات الدولية بـ "النوادي" التي تخدم إرادة الكبار أكثر مما تخدم إرادة الضعفاء، يتحدّث عن وجود هامش يمكن أن ينصر الضعفاء.
الإرادة متوفرة..
أما بالنسبة لعضو اللجنة الوطنية الفلسطينية لمتابعة الجنائية الدولية عصام يونس، فإن الإرادة السياسية متوفرة لدى القيادة الفلسطينية لأجل المضي في ما يسمّيها معركة المحكمة الجنائية الدولية، مشدداً على أهمية مصداقية نظام العدالة الدولي الذي سيكون محل اختبار جدي خشية خضوعه للتسييس والضغوطات.
وفي حديث إلى "النشرة"، يؤكد يونس أن إحالة الفلسطينيين ملفات دعاوى ضد إسرائيل ستوفر لهم حصانة وحماية، لأن إسرائيل ظلت دائما من دون حد أدنى من المحاسبة والمساءلة وهو ما يمكن أن ينتهي حاليا، على حد قوله.
ويشدّد يونس وهو حقوقي فلسطيني أيضا، أن الضحايا الفلسطينيين لم يكن أماهم الفرصة والسبيل لنيل العدالة ومحاكمة من ارتكب جرائم حرب بحقهم في قطاع غزة على وجه الخصوص منذ عقود مضت، لكنه أصبح متوفراً الآن من خلال انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية.
ويضيف: "الآن هناك فرصة حقيقية للفلسطينيين لطلب العدالة الدولية على كافة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين".
(1)أتيح انضمام فلسطين إلى عضوية المحكمة الجنائية الدولية في 29 تشرين الثاني عام 2012، بعد أن منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" بأغلبية قدرها 138 صوتا مؤيداً مقابل تسعة أصوات معارضة وامتناع 41 دولة عن التصويت.
وأصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 21 كانون ثاني قراراً بتشكيل لجنة وطنية عليا تضم مؤسسات المنظمة والسلطة وهيئات المجتمع المدني ذات الصلة، للإشراف على متابعة القضايا ذات الأولويّة مع محكمة الجنايات الدولية.