عانت تركيا الامرّين منذ فترة غير طويلة عندما اعلنت انها ستمتنع عن مساعدة الاكراد في كوباني (عين العرب) حين تعرضت لهجوم من "داعش"، فحصد الاتراك نقمة عالمية بقيت تتفاعل حتى الامس القريب، ووجدت انقرة نفسها شبه معزولة عن العالم حتى من اقرب اصدقائها وحلفائها، ولم تستطع حجز مقعد غير دائم لها في مجلس الامن على خلفية هذا القرار.
بالامس، عانى ريف ادلب من مشاهد اجرامية ارتكبتها عناصر من "جبهة النصرة" بحق الدروز، وانقسمت الآراء بين مؤيدي النظام السوري الذين اعتبروا ان المجزرة دليل على استهداف الاقليات اينما وجدوا في المنطقة وعلى ان ما ينفذ هو اقرب الى التطهير العرقي، فيما انبرى معارضو النظام الى تحميله المسؤولية عما حصل لانه زجّ بالدروز في معركة لا تعنيهم.
وبين هذا وذاك، وقفت اسرائيل تترقب بحذر، وقد جسّد رئيسها ريئفين ريفلين هذا القلق بموقف يحمل دلالاته(1). هذا الموقف لم يكن نابعاً، بطببيعة الحال، من القلق على مصير الدروز في سوريا، انما على ما يمكن ان يحدث في اسرائيل جراء هذا التطور المفاجىء، خصوصاً وان "جبهة النصرة" التي كانت تسوّق لنفسها على انها "الوجه المشرق" للمجموعات المسلحة، اثبتت بما لا يقبل الشك مرة جديدة انها مجموعة ارهابية فقط لا غير.
ففي حين كان الدروز في اسرائيل مطمئنين الى وضع اقرانهم في سوريا، فوجئوا بعملية القتل الجماعي، ووجهوا دعوة لمساندة اقربائهم وابناء الطائفة، مع الاشارة الى ان هذه الدعوة تكتسب ثقلاً لا بأس به نظراً للاهمية التي يحظى بها الدروز في اسرائيل والتي خولتهم الوصول الى مناصب عسكرية رفيعة المستوى وهم يؤدون الخدمة الالزامية وباتوا مندمجين تماماً مع البيئة الاسرائيلية.
وفي وقت تتوجه اسرائيل الى عدم تلبية الدعوة لمساعدة الدروز اقلّه بالسلاح، يتخوف المسؤولون الاسرائيليون من امرين مهمين:
الاول يكمن في امكان "انتفاضة" الدروز على القرار الاسرائيلي ومساندة دروز سوريا عبر الحدود بالسلاح وحتى بالعناصر، ما يؤثر سلباً على وضع اسرائيل وتفاهمها مع "جبهة النصرة". كما انه قد يؤدي الى حصول شرخ عميق بين الدروز في الجيش وزملائهم، وقد يصل الامر الى التمرد على الواقع الحالي القائم منذ العام 1956 والذي ارسى العلاقة الاسرائيلية مع الدروز خصوصاً لناحية الخدمة العسكرية وغيرها...
الثاني ان المشكلة قد تكون من الخارج نحو الداخل، اي ان الدروز في سوريا، وازاء الخطر المحدق بهم، قد لا يجدون حلاً سوى اللجوء الى اسرائيل فيشكلون مشكلة في كيفية التعاطي معهم، بحيث ان رفض استقبالهم سينعكس سلباً على الاسرائيليين داخلياً وخارجياً، فيما استقبالهم قد يشكل خطراً على اسرائيل من الناحية الديموغرافية والجغرافية، خصوصاً وان التنبؤ بعمر الازمة في سوريا غير ممكن في الوقت الراهن.
وعليه، تجد اسرائيل نفسها في الوضع الذي كانت فيه تركيا مع الاكراد، وقد حصدت خيبة عدم مساندتها للاكراد في حينه. وتتخوف اسرائيل من حملة دولية عليها، تضاف الى الحملة القائمة حالياً لمقاطعتها، قد تؤدي الى عزلها او على الاقل الى تحجيمها بشكل كبير وتخفيض دورها في المنطقة بشكل اساسي.
من هنا، تعمل الحكومة الاسرائيلية بدقة وتتصرف بحذر في التعاطي مع هذه المسألة، لانها تدرك حجم المخاطر التي تتعامل معها، ومقدار الخسارة التي ستلحق بها جراء اي تصرف خاطئ او غير مدروس.
وفي غضون ذلك، يجب على السلطات الاسرائيلية ان تتحضر اما الى ملاقاة انتصار الدروز واستعادتهم للمبادرة فتكون قد قدمت الدعم اللازم لهم، او الى استقبال اللاجئين الدروز الذين سيلجأون الى اقاربهم واصدقائهم واترابهم في اسرائيل من اجل الامان، فتصبح اسرائيل عندها امام معضلة حقيقية على الحدود.
والجميع يرتقب الموقف الاسرائيلي لمعرفة ما اذا تعلمت اسرائيل من الخطأ التركي مع الاكراد، ام انها ستركب الموجة نفسها وتغض النظر عن مساعدة الدروز مع كل ما يعنيه ذلك من خسائر؟
(1) بتاريخ 11/6/2015، التقى الرئيس الاسرائيلي ريئفين ريفلين رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في القدس. وصرح الرئيس الإسرائيلي بأن "ما يجري في الوقت الحالي ترهيب وتهديد لوجود نصف مليون درزي في جبل الدروز القريب جدا من الحدود الإسرائيلية".