تبدلت المعطيات داخل محافظة السويداء بشكل كبير، عما كانت عليه قبل أيام قليلة، على الرغم من حملات التحريض والتخويف التي إستهدفت أهاليها في الفترة الأخيرة، والتي بدأت من مجزرة قرية قلب اللوزة في جبال السماق في ريف إدلب، ولم تنته بالهجوم على مطار الثعلة العسكري، وحكماً ستستمر بعد إستهداف بلدة الحضر في الجولان السوري، لا سيما أن معالم المشروع باتت واضحة بالنسبة إلى فعاليتها.
بين أهالي المحافظة السورية، حديث عن سيناريوهات مختلفة تم الإعداد من قبل جهات محلية وخارجية، تصب جمعيها في إطار دفعها نحو خيار الإبتعاد عن الدولة السورية، سواء كان ذلك عن طريق الترغيب أو الترهيب، وأخطرها هو ما كشفت عنه الحكومة الإسرائيلية من خلال تصاريحها المتعددة، عبر تصوير نفسها كـ"متقذ" لطائفة الموحدين الدروز من مجازر الجماعات الإرهابية المتطرفة، في حين كانت مستشفياتها تستقبل بالأمس جرحى "جبهة النصرة" مع معارك بلدة حضر.
في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة من داخل السويداء أنّ الهجوم الأخير على مطار الثعلة، الذي يُعتبَر خط الدفاع الأول عن المحافظة، كان كبيرًا جداً، حيث سبقه هجوم صاروخ عنيف، لكن فشل الهجوم، بفضل التصدي الكبير الذي قام به الجيش السوري والفصائل المقاتلة إلى جانبه، ما دفع بالمهاجمين إلى التراجع، لا بل أن الصفحات التي تروج أخبارهم تحدثت بشكل علني عن إنسحاب بعض المجموعات من الهجوم بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن الحالة الشعبية بين أبناء السويداء جيدة جداً، لا سيما بعد تقديمها عدداً من الشهداء من أبنائها (عنصران من القومي وثالث من المخابرات الجوية)، الأمر الذي أدى إلى بروز حالة كبيرة من الإلتفاف حول الجيش، وتلفت إلى أن هذا الأمر يتضح من خلال مشاركة النسوة في المواجهة أولاً، عبر تقديمهم وجبات الطعام إلى المقاتلين من الفصائل الشعبية المتواجدين على أطراف المطار، كون هذه الوجبات لا تزال تصل إلى المقاتلين من عناصر الجيش المتواجدين داخله، كما يشاركن في دفع الأموال لشراء الذخيرة، من جهة ثانية يؤكد تحرك مختلف القرى من أجل إرسال المساعدات نمو المشاعر الوطنية بشكل مضطرد.
بالإضافة إلى ذلك، تشدد هذه المصادر، التي ترى أن هناك إنفراجاً في الشارع نحو خيار الدولة، بعد الضبابية التي طغت في وقت ما، على إرتفاع عدد الملتحقين في صوف الجيش والفصائل المقاتلة، خصوصاً بعد أن أصبح الخطر على الأبواب.
الفصائل الأساسية المتواجدة في منطقة السويداء تضم: الجيش السوري والقوات المسلحة، الحزب السوري القومي الإجتماعي- نسور الزوبعة، حماة الديار، درع الوطن، الدفاع الوطني، فصائل البعث. وخلال المواجهات الأخيرة كانت وحدات الجيش ونسور الزوبعة هي المقاتلة داخل حرام المطار، في حين أن باقي الفصائل كانت على أطرافه، وتكشف المصادر أن بعض هذه الفصائل كانت ترغب في الدخول إلى حرمه، إلا أن قيادة العمليات فضلت تواجدهم في الخارج خوفاً من تسلسل مجموعات معادية بين صفوفهم.
وفي حين تشدد معظم فاعليات السويداء على التمسك بخيار الدولة السورية، في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها، لا تخفي بعض الأوساط مخاوفها من حركة بعض الجهات الداخلية، لا سيما الشيخ وحيد بعلوس الذي يثير حوله الكثير من علامات الإستفهام، نظراً إلى أن خطابه الذي لا يبتعد عن موجة التحريض على الدولة من منطلق مذهبي.
وتلفت هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أن هناك مفارقة لافتة أظهرتها المعارك الأخيرة حول مطار الثعلة، تمثلت بأن حركة البلعوس التي كانت تصدر البيانات الكثيرة لم تشارك في هذه المواجهات، وتعتبر أن هدفه في الفترة السابقة كان محاولة شق المؤسسة الدينية واللعب على الوتر المذهبي من خلال إستغلالها بعض الحاجات الأساسية عند المواطنين، وتضيف: "هناك معلومات عن أن الرجل كان قد حصل على وعود من المسلحين بأن يكون جزءاً من القوات التي ستسيطر على مطار الثعلة في حال نجاح الهجوم عليه".
وتشرح هذه الأوساط أن الشيخ بلعوس ظهر خلال فترة الأزمة، حيث عمل على تبني خطاب يتطرق فيه إلى حاجات المواطن العادي من المواد الغذائية والمحروقات، وتشير إلى أن الرجل الذي عمل على اللعب على هذا الوتر بطريقة مدروسة كان لديه قبول لدى قسم من الشباب المتخلف عن خدمة العلم والذي يريد التسلح بشكل فوضوي، وتضيف: "حتى بتسويقه كلمة شيخ الكرامة كان هناك هدف، لأن هذا التعبير يعني أن هناك شيخ نذالة"، إلا أنها تشدد على أنه بدأ يفقد الحيسية التي كان يتمتع بها.
على الرغم من هذه الأجواء الإيجابية، لا تخفي هذه الأوساط قلقها من مستقبل الأوضاع، خصوصاً أن الوقائع الأخيرة أظهرت أن المخطط كبير جداً، هدفه الدفع نحو خيار الدويلات المذهبية أو الإرتماء بالحضن الإسرائيلي، وتعتبر أن الحديث عن إنسحاب بعض الفصائل من المشاركة في الهجوم على مطار الثعلة قد يكون عبارة عن مناورة، وتشدد على أن المطلوب الإنتقال إلى مرحلة جديدة من العمليات العسكرية.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، الخيار الأفضل من أجل تأمين المحافظة بشكل كامل، هو الإنتقال بعد مرحلة تأمين المطار العسكري نحو إيجاد حزام أمني حوله، من خلال السيطرة على المناطق القريبة منه، وتضيف: "ما يهم بشكل أساسي أن المعارك مع الإرهابيين أثبتت لجميع المشككين أن الجيش والشعب يداً واحدة".
في المحصلة، تجمع فعليات السويداء الأساسية على خيارها إلى جانب الدولة السورية، بعيداً عن المشاريع التقسيمية والأحضان الإسرائيلية، لكن هذا لا يعني إفشال المخططات بشكل كامل، الأمر الذي يتوقف على أبناء المحافظة قبل غيرهم.