هي الضحية كما دوما في وطننا لبنان، لا تجد من يدافع عنها او يتصدى للمجرم قبل ارتكاب فعلته بها. كما الإنسان، كذلك هي الطبيعة عندنا، مُباحة للطمع وثقافة الربح السريع وتكديس الثروات في المصارف، ولو جاء ذلك على حساب الانسان والبيئة المحيطة به. أمّا المشارك عادة في هذه الجرائم البيئية ويتحمل المسؤولية بالدرجة نفسها مع المنفّذ فهو الإهمال، المُمثل بالوزارات المعنية بالدولة اللبنانية والبلديات وإدارة الأحراج.
نهار 16/6/2015 لم يكن عاديًا في بلدة حمانا في جبل لبنان، على الأقل بالنسبة لثلاث شجرات معمِّرة اقتضى الفأس أن يضع خلال دقائق حدّاً لعمرها البالغ مئات السنين، فالجرائم البيئية في بلد مثل لبنان يفقد باطراد ثروته الحرجية وهي الثروة الوحيدة لديه التي تميزه عن محيطه، لا يجب التساهل فيها، وقد كانت هذه الطبيعة مصدر وحي للكتاب والشعراء حتى الأجانب منهم، فطبيعة حمانا الخلابة خصّص لها الشاعر ألفونس لامارتين(1)بيوتا شعرية رائعة، إلا أنّ هذه الجبال والوديان التي تغنى بها الشاعر الفرنسي تنتهك كل يوم بتدمير ممنهج لصخورها وأشجارها ويتم التعدي على مياهها الجوفية والسطحية، إمّا بتلويث مصادر هذه المياه أو باستثمارها من قبل الأفراد من دون وجه حق.
وبالعودة إلى الجريمة المستجدة التي ذهبت ضحيتها ثلاث أشجار حرجية معمّرها، فسبب بحسب ما تكشف مصادر مطلعة لـ"النشرة" هو توسيع طريق خاصة للمدعو سليمان النافع (كويتي الجنسية) بهدف الوصول الى الفيلا التي يملكها، مع العلم أنّ هذه الأشجار هي على جانب الطريق التي نُفّذت أشغال التوسعة فيها، ولم يكن من الضروري المسّ بها. أمّا من اعطى الإذن لارتكاب هذه الجريمة فهي، وفقاً للمصادر نفسها، بلدية حمانا ممثلة بنائب رئيسها كمال مراد كرم، الذي ضرب بعرض الحائط جميع القوانين المرعية الإجراء، مع العلم ان نائب الرئيس تصرف بالتكليف من رئيس بلدية حمانا السيد جورج شاهين، وبقرار شخصي من دون علم المجلس البلدي الذي استنكر أغلبية أعضائه بعد أن اتّصلت "النشرة" بهم لمعرفة رأيهم ما وصفوه بالمخالفة الموصوفة التي أكّدوا أنّها لن تمر مرور الكرام، واعدين بطرحها في أول جلسة يعقدها المجلس البلدي.
وتضع المصادر هذه المخالفة برسم الوزارات المعنية وبخاصة وزارة الزراعة التي وحدها تعطي الإذن بقطع الأشجار الحرجية المعمرة، فيما يتحمل مكتب الأحراج في حمّانا المسؤولية المباشرة لعدم التحرك وقيامه بواجبه في وقف قطع الأشجار، علمًا أنّ القانون اللبناني لحظ مبدأ حماية الغابات والاحراج والنظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي، وذلك بموجب عدّة قرارات صدرت منذ الانتداب وحتى اليوم(2)، مع الاشارة إلى آخر القرارات في هذا الشأن صدر في العام 2010 حينما كان الدكتور حسين الحاج حسن وزيرا للزراعة وقد وقّع قراراً حمل الرقم 433/1 تاريخ 30/8/2010 يتعلق بـ"تنظيم قطع واستثمار الاحراج والغابات"(3).
ولكن ماذا في الواقع؟ هل تُطبَّق هذه القرارات عملياً أم أنّها مجرد حبر على ورق؟ وإلى متى ستظل الجرائم البيئية عرضة للإفلات من العقاب مع العلم ان حتى العقوبات المقررة في القانون الحالي لا يمكن اعتبارها رادعة نظرا لعدم شدّتها ولرمزية الغرامات؟
في المحصلة، مهما سنّ من قوانين ومهما تطورت هذه أو شُدّدت العقوبات وزيدت الغرامات، لا شيء يردع الجاهل من ارتكاب جريمته سوى الوعي بالدرجة الأولى، وهذا الأمر يحتاج اولا الى إضافة مادة على مناهجنا الدراسية تثقف جيل الغد وتختص بالبيئة وأهميتها وكيفية الحفاظ عليها، وثانيا أن تطبق هذه القوانين بحزم من قبل الادارات المعنية بموازاة مواكبة القضاء لإجراءات التوقيف المتخذة بحق مرتكب الجرم من قبل الأجهزة الأمنية، لتسلك بعدها الدعوى القضائية مسارها بالسرعة المطلوبة وبالتالي لتطبيق العقوبة بحق المخالفين بمدة زمنية قصيرة، ما يعطي مثالا ويشكل رادعا قويا للغير بجدية هذه العقوبات، فيحسبون حينئذٍ ألف حساب قبل التعدي على الطبيعة الأم، وهي أمُّنا جميعا.
(1)شاعر فرنسي ملقب بالشاعر الرومنسي والذي قام برحلة إلى الشرق (1835) زار خلالها لبنان وسكن لأسابيع في حمانا، وكتب خلال إقامته فيها بيوتا شعرية رائعة عن جمال الطبيعة الخلابة لهذه المنطقة ووصف وادي حمانا الذي سمي لاحقا وادي لامارتين تيمنا به، بأبهى الصور، فقال: "هي جبال الألب تحت سماء آسيا".
(2)في عهد الإنتداب صدر القرار رقم 275 تاريخ 25/5/1926 عن المفوض السامي السيد هنري دي جوفنيل، ونصّ على أن الأحراج والغابات والجبال غير المزروعة تُعد أملاكًا خصوصية عائدة للدولة بشرط الاحتفاظ بالحقوق العينية او حقوق الاستعمال التي اكتسبها الافراد وفقا للشرائع والقوانين النافذة. وكان قد سبق ذلك بتاريخ 15 آذار 1926 صدور القرارات 186 و188 و189 المتعلقة بتحديد وتحرير العقارات وإنشاء السجل العقاري الذي حل محل نظام “الدفترخانة” العثماني. ونظّمت هذه القرارات ملكية الأراضي ولكن لم تنظم طريقة الإستعمال من منظار الحفاظ على البيئة والمناظر الطبيعية.
وبتاريخ لاحق صدر قانون حماية المناظر والمواقع الطبيعية في لبنان بتاريخ 8/7/1939 أوجب في مادته على وزارة الاقتصاد الوطني تنظيم قائمة جرد عام للمناظر والمواقع الطبيعية التي يكون في صيانتها أو وقايتها مصلحة عامة سواء كان بالنظر إلى الفن أو التنظيم المدني أو السياحة. وتطبق أحكام هذا القانون على جميع المناظر والمواقع الطبيعية أيا كان مالكها سواء كانت للدولة أو لجماعات أو لطوائف أو لاوقاف أو لأشخاص معنويين أو حقيقيين إلخ…
وتعد بمثابة مناظر ومواقع طبيعية وفقاً لأحكام القانون أعلاه، الأشجار وفئات الأشجار المنفردة التي يستصوب حفظها بالنظر إلى عمرها أو جمالها أو قيمتها التاريخية. وإن القيد في قائمة الجرد يوجب على المالك أن لا يباشر في أرضه ولا يدع أحدا يباشر اجراء أي تغيير في العقار المقيد أو في جزء من هذا العقار ولا أحداث أي بناء على الخصوص وبوجه الاجمال يوجب عليه الامتناع عن كل عمل من شأنه أن يغير الهيئة العامة للمناظر أو المواقع الطبيعية أو يفسد أو ينقص أهميتها بالنظر إلى السياحة، كما يوجب عليه الامتناع من قطع أية شجرة أو تشذيبها قبل ان يبلغ قصده إلى وزير الاقتصاد الوطني ويوضح له التغييرات أو الأعمال التي ينوي اجراءها ويحصل منه على الترخيص اللازم.
وبناء عليه يعاقب بالغرامة مع الاحتفاظ بدعوى العطل والضرر التي تمكن اقامتها، كل من يخالف هذه الأحكام المذكورة أعلاه.
أمّا آخر القرارات في هذا الشأن فجاءت في العام 2010 حينما كان الدكتور حسين الحاج حسن وزيرا للزراعة وقد وقّع قراراً حمل الرقم 433/1 تاريخ 30/8/2010 يتعلق بـ«تنظيم قطع واستثمار الاحراج والغابات
(3)جاء في نص القرار: «ان وزير الزراعة يقرر ما يأتي:
المادة الاولى: يسمح بصيانة أو استثمار الاحراج والغابات وفقا لما يلي: أ- الشروط العامة للتشحيل والتفريد:
1- يسمح بالتشحيل من 15 ايلول الى 15 نيسان من كل عام ويتم استقبال طلبات التشحيل في مراكز الاحراج من تاريخ 1 تموز الى 15 شباط من كل عام.
2- تحدد مدة العمل اليومي للاستثمار والنقل من شروق الشمس حتى غروبها (يمنع العمل ليلا).
3- يمنع منعا باتا إطلاق المواشي للرعي ضمن حدود المقاطع المستثمرة لمدة عشر سنوات.
4- يمنع القطع النهائي للاشجار ذات الساق الواحدة.
5- يسمح بالتشحيل وفقا للشروط التالية: ازالة بعض الاغصان والفروع:
- يتم ازالة الفروع المنحنية ويبقى على ثلاثة فروع في كل جب كحد أدنى على أن لا يقل قطر الفرع عن سبعة سنتيمترات.
- يتم تشحيل أغصان الأشجار ذات الساق الواحدة بشكل ان لا يتعدى ثلث ارتفاع الشجرة كحد أقصى.
6- يسمح بتفريد الأجباب وفقا للشروط التالية: - اذا كان الانحدار يراوح بين 40 و50%: يجب دوما الابقاء على ستين جبا في الدونم على الأقل على أن يكون توزيعها متجانسا على كامل العقار.
- اذا كان الانحدار بين 15% و40%: يجب دوما الابقاء على خمسين جبا في الدونم على الأقل على أن يكون توزيعها متجانسا على كامل العقار.
- اذا كان الانحدار أقل من 15%: يجب دوما الابقاء على أربعين جبا في الدونم على الأقل على أن يكون توزيعها متجانسا على كامل العقار.
7- يجب تنظيف ارض الحرج من جميع الأغصان والفروع الناجمة عن عملية الاستثمار لمنع اندلاع الحرائق وذلك على مسافة عشرين مترا على الأقل من الطرقات والأبنية.
8- يجري نقل الاحطاب بموجب إجازات قانونية خاصة صادرة عن مركز الأحراج المختص.
9- يمنع حمل النار وإضرامها داخل حدود الحرج وعلى مسافة تقل عن مئتي متر من حدود الحرج وحدود الأماكن المأهولة.
ملاحظة: تعتبر هذه الشروط جزءا لا يتجزأ من الرخصة وكل مخالفة للشروط المذكورة اعلاه تعرض مرتكبها للملاحقة القانونية بالتكافل والتضامن مع مالك العقار.
المادة الثالثة:
أ- يسمح بقطع او كسر الاشجار التي تعيق اعادة استصلاح اراض زراعية متروكة وفقا للشروط التالية:
1- ان تكون نسبة الغطاء الحرجي ما دون الـ 30% من مساحة العقار الاجمالية.
2- ان تكون نسبة الانحدار ما دون 40%.
3- ان تكون الاشجار الحرجية موضوع الطلب من نوع الاشجار الورقية فقط.
4- الحصول على موافقة المشروع الاخضر (اذا كان الاستصلاح على حساب المشروع الاخضر).
5- تقديم تعهد لدى كاتب العدل باعادة الزرع في مهلة اقصاها 6 اشهر من تاريخ صدور الرخصة مع تحديد بند جزائي في التعهد بمعدل 200000 ليرة لبنانية عن كل شجرة أو جب مقطوع بالاضافة الى حق وزير الزراعة باصدار قرار بالزام المستدعي بإعادة تحريج العقار في مهلة ثلاث سنوات والا يتم تطبيق نص المادة 97 من قانون الغابات لجهة استملاك هذه الارض وبيعها بالمزاد العلني لتحريجها أو وضع اليد عليها لتحريجها على نفقة الوزارة ويعفى المستدعي من هذين البندين في حالة الظروف القاهرة التي يعود امر تقديرها لوزير الزراعة.
6- يمنع منعا باتا قطع الاشجار المعمرة والنادرة التي تحددها وزارة الزراعة بناء على النصوص القانونية النافذة.
ب- يمنع استصلاح الأحراج أو الغابات المحددة بناء على الافادة العقارية وعلى كشف مركز الاحراج.
ج- يكون تقديم الطلبات والمستندات بناء على نص المادة الثانية من هذا القرار.
المادة الرابعة:
أ. يسمح بتشحيل أو قطع الاشجار التي تعيق اظهار حدود/ شق طرقات داخلية/ أو وضع شقلات لزوم تشييد بناء وفقا للشروط التالية:
1- تقديم افادة من البلدية المعنية تثبت بان الاشجار تعيق عملية اظهار الحدود أو شق طرقات أو وضع الشقلات.
2- تقديم خريطة صادرة عن طوبوغراف مجاز تحدد الموقع وعدد الاشجار المطلوب قطعها.
3- يسمح بقطع 3% كحد اقصى من مساحة العقار الاجمالية ويعود لوزارة الزراعة الحق في تحديد عدد الاشجار المسموح قطعها.
ب- يكون تقديم الطلبات والمستندات بناء على نص المادة الثانية من هذا القرار.
المادة السابعة:
يسمح بقطع الاشجار الحرجية بداعي الحفاظ على السلامة العامة على ان يتم ضم صور فوتوغرافية تظهر بشكل واضح الاشجار التي تشكل خطرا على السلامة العامة بعد تأكيد مركز الاحراج على ذلك.
المادة الثامنة:
في المخالفات في حال مخالفة احكام هذا القرار يتم تنظيم محضر ضبط بحق المخالف (مالك العقار أو الملتزم) واتخاذ الاجراءات التالية:
1- تطبق العقوبات المنصوص عنها في قانون الغابات وتعديلاته.
2- يمنع الملتزم من الحصول على رخصة استثمار لمدة ثلاث سنوات.
3- يمنع العمل في العقار موضوع المخالفة لمدة خمس سنوات».