إنتهت مُشاركة السعودية في مُنتدى بطرسبورغ الإقتصادي الدَولي بتوقيع إتفاقات إستثمارية بقيمة 10 مليارات دولار أميركي، ونتائج زيارة وليّ وليّ العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير ​محمد بن سلمان​، إلى ​روسيا​ على رأس وفد رسمي في الأيّام القليلة الماضية، لم تكن عادية، فإضافة إلى توقيع ممثّلين عن كل من روسيا والسعوديّة خمسة إتفاقات إستراتيجيّة مُهمّة(1)، وقّعت كل من روسيا والسعودية إتفاقاً سادساً للتعاون في مجال إستخدام الطاقة النوويّة للأغراض السلميّة(2). أكثر من ذلك، إنّ الزيارة المَذكورة هي الأولى لوفد سعودي رفيع ورسمي إلى موسكو منذ سنوات عدّة، وتأتي بعد تراجع ملحوظ في العلاقات الثنائيّة. وعلى خطّ مواز تؤكّد عزم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز زيارة روسيا في المُستقبل القريب، تلبية لدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فما الذي يحصل بين موسكو والرياض، وهل يُوجد تغيير إستراتيجي على مستوى التحالفات؟

بحسب المُحلّلين الغربيّين، إنّ روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين تعمل ليل نهار على إستعادة حضورها الدَولي وهيبتها العالميّة، وهدفها ليس فقط إعادة علاقات الندّ للندّ مع الولايات المتحدة الأميركية، كما كانت الحال عليها أيّام الحرب الباردة بين الطرفين، ولكن مُحاولة تجاوز الدَور الأميركي وإلى جانبه الدور الأوروبي في أكثر من مكان في العالم. وأضاف هؤلاء أنّ أحدث الأمثلة على هذه الإستراتيجيّة الروسيّة الجديدة، ظهر في التدخّل العسكري المُباشر وغير المُباشر في أزمة أوكرانيا، وفي الموقف الروسي الصلب من الحرب في سوريا، وفي محاولة إستمالة النظام الحاكم في مصر وجرّه من الحضن الأميركي إلى الحضن الروسي. وأدرج هؤلاء المُحلّلين ما يحدث بين موسكو والرياض حالياً، في إطار المحاولات الروسيّة لاستغلال أيّ تراجع للدور وللنفوذ الأميركي في أي مكان أو بقعة في العالم، ومحاولة تعبئتها بحضور روسي قوي.

وبحسب التحليلات الغربيّة أيضاً، فإنّ للمملكة العربيّة السعودية أهدافها الخاصة من التقارب الحالي والمُتصاعد مع روسيا. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: توجيه رسالة إلى واشنطن أنّ تقاربها المُتواصل مع طهران، لن يكون دون ردّ من قبل الرياض، حيث أنّ السعوديّة تملك العديد من الخيارات البديلة لشراء أهمّ الأسلحة في العالم وأحدث التقنيات التكنولوجيّة أيضاً. وبالتالي، في حال إستمرّت الولايات المتحدة الأميركية بسياسة التقارب التصاعدي مع إيران، على حساب مصالح السعودية وغيرها من الدول الخليجيّة والعربيّة، فإنّ السعودية لن تتأخّر في البحث عن حلفاء إستراتيجيّين جُدد.

ثانياً: مُحاولة إيجاد توازن مع إيران على المستوى الإستراتيجي، من خلال شراء الدعم الروسي الكامل لتطوير برنامج نووي سلمي في السعودية، علماً أنّ المملكة الخليجيّة الأغنى تملك القدرات المالية لذلك، ولديها مجموعات شبابيّة كسبت شهادات عليا في أعرق الجامعات العالميّة، وهي لا تحتاج سوى لدعم تقني غربي للإنطلاق في المشروع، خاصة وأنّ "الضوء الأخضر" السياسي لذلك ضمن دائرة القرار السعودي موجود.

ثالثاً: مُحاولة إيجاد أرضيّة مُشتركة مع روسيا، إلى جانب أرضيّة العداء المُشترك لتنظيم "داعش" الإرهابي الذي يُهدّد أمن السعودية ونُفوذها الديني في العالم الإسلامي، بحيث تتحوّل السعودية إلى حليف آخر لروسيا في المنطقة إلى جانب إيران، على الرغم من خلافهما الثنائي، في تكرار للتحالف الأميركي مع كل من باكستان والهند على الرغم من عدائهما المُزمن ومن دخولهما في أكثر من حرب ثُنائية. وتُخطّط الرياض من وراء ذلك إلى تحقيق مكاسب بشأن ملفّات المنطقة، من سوريا إلى اليمن، مروراً بكل الملفّات الشائكة الأخرى، خاصة وأنّ الدعم الروسي هنا و"الفيتو" الروسي هناك وجسر الأسلحة الروسيّة هنالك، يُضرّ كثيراً بمصالح السعودية وبحلفائها في المنطقة. وبالتالي، ترغب الرياض أنّ تتمكّن من كسب تنازلات روسية في غير ملفّ، في مقابل إستثمارات مالية ضخمة مع السعوديّة.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ العلاقات السعودية-الروسية هي اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه بالأمس القريب، لكنّها لم تبلغ بعد مرحلة التحالف الإستراتيجي، والطريق طويل لتحقيق هذا الهدف، لا سيما وأنّ روسيا ترتبط بعلاقات إستراتيجيّة ثابتة مع أنظمة مُعادية للسعودية، وفي طليعتها إيران وسوريا، وهي غير مُستعدّة للتفريط بعلاقاتها بهما. إلا أنّ الأكيد أنّ لعبة المصَالح الدَوليّة تدفع حالياً بالعلاقات الروسية-السعودية إلى مزيد من التحسّن، بموازاة التقارب الأميركي-الإيراني المُستمرّ. لكنّ هذا التحسّن سيكون بطيئاً وبشكل تدريجي، ما يعني أنّ إنعكاساته على الملفّات الإقليميّة العالقة لن يكون فورياً ولا حاسماً في المدى المنظور.

(1)شملت تعزيز التعاون في مجالات الإسكان والطاقة والإقتصاد والإستثمار المُتبادل وتفعيل اللجنة المُشتركة للتعاون العسكري وللتعاون في مجال الأبحاث الفضائية.

(2)وقّع الإتفاق عن الجانب الروسي مدير شركة "روس أتوم" الحكوميّة، سيرغي كيريينكو، وعن الجانب السعودي رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذريّة والمُتجدّدة، هاشم بن عبد الله يماني.