كل الجهد الذي بذله حزب الله في سياق مواجهته للتكفيريين حقيقة واقعة لا تدع مجالاً للشك أو الارتياب، وهو الذي وضع أولى لبنات التحرير كي يستعيد لبنان سيادته واستقلاله ويسترجع أراضيه المحتلة. وعلى كل فئة مقاومة أن تتوقع إعراض النخبة المترفة عنها التي يزعجها القيام بأي واجب فيه تكاليف وتضحيات، فتذهب إلى الجدال بجدوى المقاومة والجدوى من دفع الشباب إلى ساحات القتال.
منذ انطلقت هذه الفئة المقاوِمة للاحتلال «الإسرائيلي» لم يتوقف الجدال في أوضح المسائل. المعارضون للمقاومة كانوا غير مستعدين لأن يتعقلّوا بديهية قتال العدو والدفاع عن الأرض، حتى وصل كلامهم إلى حدود السفسطة والهذر لأنهم لم يكونوا يرغبون بلوغ الحقيقة. استعملوا الكثير من الادعاءات الملفقة. حرّضوا مجتمعاتهم ضد المقاومة. قدّموا المبررات والأعذار للعدو «الإسرائيلي». بخّسوا بعطاءات المقاومين، وصنعوا سلسلة طويلة من الأوهام لتضليل الرأي العام والقول له: بأن لا أفق لحل الأزمة اللبنانية إلا الجلوس على طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاق سلام مع العدو «الإسرائيلي» على غرار الاتفاقات التي وقعها مصر والأردن والفلسطينيون.
نعم، سبق لكثير من اللبنانيين أن أنكروا الجهد الذي بذله حزب الله من أجل طرد الاحتلال «الإسرائيلي» واستعادة الأرض وإعادة الأمن والأمان والاستقرار إلى الجنوب ومعه معظم المناطق اللبنانية.
وسبق لهؤلاء أن استرخصوا دماء الشهداء وتضحيات المجاهدين التي لا تقدر بثمن. ولولاهم لما كان في لبنان كل ما نراه اليوم من مظاهر الدولة وإمكان العيش والبقاء لمختلف المكونات الدينية على اختلاف توجهاتها.
ما نجده اليوم وإن كان لا يُشبع طموح اللبناني ولا يلبي تطلعاته، ولكنه أفضل بكثير من غلواء الفوضى والحرب الأهلية والتخلف واضمحلال كل أدوات النظام من مؤسسات وقوانين وغيرها.
لا يبوح هؤلاء الناكرون بأي فضل للمقاومة على بقاء الدولة واستمرارها واستقرار المجتمع وتطوره. بل على عكس من ذلك شهروا بوجه المقاومة سلاح الفتنة السياسية والإعلامية والدينية مع أنهم ينعمون بحرية التعبير والتنقل والتكتل والتمتع برغد العيش بفعل تضحيات ودماء المقاومين.
كانت تحالفات النخبة المترفة من الانتهازيين والوصوليين وتجار الأوطان تصب في خانة الكسب والمنفعة، ووثائق «ويكيليكس» تؤكد هذه الحقيقة المرّة. فبدل أن يكونوا في صف المدافعين عن الوطن نراهم يقبلون ولاية المحتل حتى لو كان ذلك سينعكس ذلاً وهواناً على المجتمع اللبناني بأسره.
كان ينقص هؤلاء اللبنانيين الناكرين لدماء المجاهدين البصيرة في التفكير، والتواضع في السلوك، والحكمة في المواقف. كان ينقصهم راحة الضمير وشفافية الموقف وصدق الانتماء. ولكن كما يقول المثل «كمن يداوي رجلاً من خشب».
ولكي نفهم خطورة هذه المشكلة يترتب علينا أن نقارب ما يجري اليوم على الحدود الشمالية بأشدّ ما يمكن من الإقلاق. إذ لا تزال فئة الناكرين لا ترى في التكفيريين الإرهابيين أي خطورة، كما لم تكن ترى في العدو «الإسرائيلي» أي خطورة، مع أنها تستفيد من بركات وخيرات دماء الشهداء والمضحين من أبناء المقاومة الذين يدفعون سكين الذبح عن كل لبناني، ويمنعون آلة السبي والقتل والهدم والوحشية أن تصل إلى كل قرية ومدينة.
في الواقع. نحن نتساءل على رغم كل ذلك عن المدى الذي تذهب فيه عبثية هذه الفئة، التي تفاقم من تعقيد الواقع السياسي والإعلامي والاقتصادي والثقافي وتعطل كل مسعى لتحصين الساحة الداخلية.
لم يكن مطلوباً من هؤلاء أن يمدحوا أو يشيدوا بإنجازات المقاومة أو يدفعوا بأولادهم أو أموالهم إلى ميادين الوغى لكي يساهموا في دفع الأذى عن الوطن وحمايته من الأخطار، لكن فليخجلوا من أنفسهم بالتزام الصمت.
إذا كانوا يتساءلون لماذا حمل شباب المقاومة السلاح في وجه العدو «الإسرائيلي» وفي وجه العدو التكفيري، فهو من أجل بقاء لبنان وسيادة لبنان وكرامة لبنان وعزة لبنان.
من أجل أن يستمرّ العيش المشترك بين اللبنانيين.
من أجل أن يبقى المسجد إلى جانب الكنيسة.
من أجل أن يكون للأطفال ملعب ومدرسة ومتنزه.
من أجل أن يبقى لبنان مدرسة الشرق وجامعة الشرق ومستشفى الشرق.
من أجل ألا ينطفئ نور العلم والثقافة والإيمان والحضارة.
من أجل ذلك، كان شباب المقاومة على ثغور الجنوب وها هم اليوم على ثغور البقاع.