باتَ مِن الملِحّ على تيار «المستقبل» أن يعملَ على إيجاد حدَث يساهم في نقلِ الصورة من الأزمات المتلاحقة التي هزَّته في العمق إلى مشهد آخر يَحمل طابَع الإثارة أيضاً، فكان أن حصَل تفاهم أوَّلي على عقدِ جلسةٍ لمجلس الوزراء خلال الأسبوعين المقبلين.
الهزّة التي تلقّاها «التيار الأزرق» بسبب فضيحة سجن رومية كادت أن تؤديَ إلى نتائج كارثية تطاوِل، ليس فقط الوزير نهاد المشنوق، بل أيضاً المؤسسة التي يَستند إليها «المستقبل» وهي قوى الأمن الداخلي ومعها شعبة المعلومات.
والتبريرات التي ساقَها وزير العدل أشرف ريفي حول اتّهامه «حزب الله» بالوقوف وراءَ التسريبات دحَضَها المشنوق نفسُه حين تحدّث عن عملٍ تستفيد منه التيارات المتطرّفة.
طبعاً، المشنوق يُوَجّه أصابعَ اتّهامه المبطّن وهو الذي يشرِف على التحقيقات الجارية في وزارته لكشفِ طريقة حصول التسريب. لا بل قيل إنّ المشنوق وخلال لقائه بريفي سمعَ مِن الأخير نفياً قاطعاً لأيّ علاقة له بكلّ ما حصَل، فما كان منه إلّا أن سَأله عن النزول المنظّم للمجموعات إلى الطرق وإقفالها، ما يَعني وجودَ آمِرٍ واحد، وأضاف مستدركاً: أحد الذين قادوا التحرّكات في طرابلس هو قريبٌ لك، فهل يمكن أن يتحرّك بمعزلٍ عنك؟
منذ إقصاء ريفي عن وزارة الداخلية قبل ولادة الحكومة بساعات قليلة، والنزاع يتفاقم بين الرجلين. وفيما يورِد البعض أسباباً كثيرةً لذلك بدءاً من علاقة المشنوق المستجدّة والمسايرة لـ»حزب الله» مروراً بالأسلوب السياسي المتّبَع وانتهاءً بطموح الوصول إلى رئاسة الحكومة مستقبلاً، فإنّه لا بدّ مِن الإقرار بأنّ المشنوق كان الأقرب إلى الرئيس سعد الحريري ودائرة القرار المحيطة به في مقابل نجاح ريفي بانتزاع تأييد نسبةٍ مرتفعة من شعبية الشارع السنّي والإمساك ببعض مفاصلِه.
صحيح أنّ الحريري نجَح في لملمةِ الأزمة التي هزّت تيار «المستقبل» في العمق بعدما كادت تطيح ما تبَقّى من أوراق القوّة لديه داخل مؤسسات الدولة، إلّا أنّ السؤال الخافت الذي شغلَ الديبلوماسيين المعتمدين في بيروت يدور حول ما إذا كان لتلك الأزمة «إيحاءات» خارجية من ضمن الترتيبات الداخلية الجديدة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، إذ إنّ هؤلاء يَميلون إلى الاعتقاد أنّ هزّةً بهذا الحجم واللعب بملفات حسّاسة داخل قوى الأمن الداخلي واستخدام الشارع بشكلٍ منظّم ووفق شعارات عالية السقف، من الصعب أن تحصلَ من دون رضى أبعد من الحدود اللبنانية...
مبدئياً إنّ مجلس الوزراء سيَنعقد الأسبوع المقبل وسيَضع رئيس الحكومة تمّام سلام بنوداً تحمل طابَع الملِحَّ والحياتي لحشرِ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. فهنالك بندٌ له علاقة بالقطاع الزراعي وآخر حياتيّ، إضافةً إلى ملف التلزيمات الخَلوية الذي ألحَّ وزير الاتّصالات بطرس حرب على إدراجه.
وإلى جانب هذه البنود بندُ التعيينات الأمنية الذي يتفق وزراءُ «المستقبل» على طرحِه من خلال إيراد أسماء مختلفة، ما يَدفع إلى وضعه جانباً بسبَب عدمِ نَيلِ أيّ مِن الأسماء تأييدَ الغالبية الوزارية المطلوبة.
لكنّ عون والذي أطلقَ تحذيراً مباشَراً بعد اجتماع «التكتّل» سيندفع إلى الأمام أكثر من خلال طرح النقاط غير المطبّقة في «إتّفاق الطائف» وبالتالي إعلان حال الطوارئ لمصلحَة تطبيق الدستور، ما سيَفتح البابَ أمام البحث في الواقع الدستوري من كلّ جوانبه.
الاندفاع في الحماوة السياسية قد يَترافق مع حماوة عسكرية وأمنية. فالهدوء الذي يعمّ محاور عرسال لا يبدو «صحّياً» وهو يشبِه سكونّ ما قبل العاصفة، أضِف إلى ذلك بيان «داعش» حول استهداف الشيعة والمسيحيين فيما يشبه الإعلان المسبق عن سلسلة عمليات أمنية كما يبدو من البيان.