مر التصريح الأخير الذي أدلى به عضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ سالم الرافعي بعيد انتشار ما سمّي بـ"فيديو تعذيب سجناء رومية" مرور الكرام على بعض وسائل الاعلام، فيما غيّبت أخرى الخبر بشكل كامل. الا ان أبعاد وحجم ما أدلى به الرافعي كان ليشعل فتنة في البلد فينضم لسلسلة الدول المحيطة التي تغرق في البركان الملتهب لولا صرامة القرار الاقليمي-الدولي بالحفاظ على استقرار لبنان خدمة لمصالح الدول الكبرى التي التقت أخيرا مع المصلحة اللبنانية العليا.
وقد اعتبر الرافعي خلال خطبة له أن "الطائفة السنية مظلومة في لبنان لذلك هي تطالب بالتقسيم والفدرالية وان لم يحصل ذلك ستقوم انتفاضة شعبية وسنحكم لبنان وحدنا"، مرجحا أن "يحصل في لبنان قريبا ما هو حاصل في سوريا كنتيجة مباشرة لهذا الظلم".
ليست المرة الأولى التي يخرج فيها العلماء المسلمون ليتحدثوا عمّا يقولون أنه "مظلومية أهل السنة" في لبنان والمنطقة، الا أنّها ولا شك المرة الأولى التي يخرجون فيها للحديث بصراحة عن رغبتهم بالتقسيم واذا لم يتم ذلك بحكم لبنان بالقوة من دون مشاركة باقي المكونات.
ويبدو ان الرافعي لم يعبّر عن رأيه الشخصي بالموضوع، اذ أشارت مصادر في هيئة العلماء المسلمين الى أن "المطالبة بالتقسيم والفدرالية ليست الغاية والهدف بل نتيجة للعدوان المستمر على أهل السنة وهدر حقوقهم"، لافتة الى أن "هذا المطلب سيبقى معلقا حاليا وفي حال استمر هذا العدوان فيكون الاصرار على السير في هذا الاتجاه من باب الضرورة". وقالت المصادر: "نحن لا نزال نبحث بحلول أخرى ايمانا منا بأن لبنان بلد للجميع ولكن شرط أن تتمتع كل الفئات بحقوقها فلا يتم التعدي على حقوق اي منها... ولكن واذا استمر الوضع على ما هو عليه، فعندها يكون آخر الدواء الكي".
وبالرغم من تعليق مطالبتهم بـ"الكي" الا ان أجواء العلماء توحي بأن الحل الصعب آت لا محال، وهو ما يؤكده خروجهم وعند كل استحقاق للدفع في هذا الاتجاه. وتشير مصادر معنيّة الى أنّه "وبالرغم من كون العلماء لا يعبّرون عن الموقف الرسمي للطائفة السنية ولا حتى عن موقف أكثرية أهل السنة في لبنان، الا انّهم وبلا شك ينطقون بلسان عدد من أبناء هذه الطائفة الذين ملّوا ممارسات حزب الله الذي بات يتقن استفزازهم في أكثر من ساحة ويلعب على وتر تغذية المشاعر المذهبية"، لافتة الى أن "الحزب وحده يتحمل مسؤولية طروحات مماثلة تؤدي لانهيار مبدأ الشراكة باعتباره أول من وجّه اليها سهامه بضرب قرار الدولة والانصراف للمشاركة بالحروب المذهبية المحتدمة في سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول من دون الالتفات للمصلحة اللبنانية العليا".
ويبقى السؤال الكبير عن خلفيات الدعوة للتقسيم عند كل منعطف، علما بأن ما عبّر عنه العلماء قد يلتقي في شق منه مع دعوة رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون لاعتماد الفدرالية، وكأن قسما كبيرا من اللبنانيين رضخ لفكرة عدم امكانية التعايش بسلام تحت سقف دولة واحدة، أو أن الوجه الجديد لمنطقة الشرق الأوسط والذي بدأ يتكون في البلدان المحيطة لا يلحظ وحدة الأراضي اللبنانية أو بقاء النظام اللبناني على ما هو عليه.