شهر رمضان، شهر الخير والرحمة والعطاء والمحبة، شهر يعبق بالايمان وبممارسة الشعائر الدينية بأبهى صور روحانية تتجلى مساء كل يوم، خلال صلاة التراويح، وباصوات المنشدين تصدح من المساجد التي تزينت قبل حلول شهر العبادة والصوم حيث قواعد العبادة فيه ثابتة.
في طرابلس يحل شهر رمضان المبارك كضيف خفيف الظل على الجميع، ورغم الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها معظم الطرابلسيين، الا ان لهذا الشهر حسابات مالية تبدأ قبل شهور، حتى الفقراء لا يغيب عن بالهم تحضير سفرة الصائم التي لا تخلو من اشهى المأكولات اللبنانية والتراثية والشعبية، وابرز الوجبات الحاضرة يوميا في كل بيت صائم صحن الفتوش وصحن فتة الحمص (تسقية) والكبة النية والمتبل والحمص ووجبة رئيسية يوميا تضاف الى سفرة الصائم. اضافة الى الحلويات الشعبية الطرابلسية التي تزين المائدة الرمضانية يوميا وابرز هذه الحلويات، الكربوج، البصمة، ورد الشام، والقطايف، وغيرها من الحلويات التي يتم تحضيرها في المنزل كالمهلبية والرز بحليب.
ويهتم الطرابلسيون باحضار انواع مختلفة من العصير، كعصير التوت والخرنوب والجزر والجزر و قمر الدين والسوس.
ويحرص الطرابلسيون بعد صلاة العشاء على اداء صلاة التراويح يوميا، لتعجّ بعدها الاحياء والحارات خصوصا الشعبية بالمواطنين، هنا بائع الكعك، يشوي الكعك المحشو بانواع مختلفة من الاجبان والسماق على الفحم، ورائحة الكعك تنعش القلوب، اضافة الى مناقيش الصاج التي ازدهرت في الاونة الاخيرة، ويعتبر الطرابلسيون ان وجبة المنقوشة وجبة ضرورية ورئيسية للصائم لانها تشبع المعدة، وصحن الفول المدمس، هذا الصحن الذي يتميز الطرابلسيون بتحضيره ويتميز بنكهاته المتنوعة.
وللسحور نكهة خاصة في طرابلس حيث تعج افران الكعك بالمواطنين خصوصا في احياء باب الرمل حيث تشتهر هذه المنطقة بتقديم اجود انواع الكعك، وما زالت افران هذه المنطقة تعمل على الفحم ما يضفي نكهة خاصة على الكعك.
بعد السحور يتوجه المصلون الى المساجد لاداء صلاة الفجر ثم يبدأ الامساك.
انها طرابلس التي يتحول ليلها الى نهار، خصوصا وان زينة هذا العام كانت بأبهى حلة، فأضحى ليلها اشعاعا يشع من الانوار التي ازدانت بها الشوارع، حيث تم تزيين معظم ساحات طرابلس ووسطياتها وطريق المعرض وشوارع الميناء والقبة وحتى التبانة كان لها حصة من هذه الزينة وفي ابي سمراء، وانارة معظم الشوارع خصوصا الرئيسية، كما تم تزيين معظم المساجد بانارة متمازجة بالالوان
عادات هذا الشهر الفضيل تختلف من دولة الى اخرى، حتى في البلد الواحد تختلف فيه، ففي طرابلس لشهر رمضان نكهة خاصة، حيث تعتبر من اهم المدن التاريخية التي ما زالت تحتفظ بتقاليدها خصوصا الاسلامية، حيث تحافظ العائلات على التمسك بما كان يفعله الاجداد فيبدأ يومهم الاول من الصيام بتبادل الزيارات، ولا ينسى الاقرباء تبادل الهدايا في هذا الشهر الفضيل من حلويات وعصائر.
وعلى الرغم من التغيير الديموغرافي الذي طرأ على المدينة بعد استحداث شوارع واحياء جديدة في المدينة الا ان الاحياء الشعبية ما زالت محافظة على عادات وتقاليد تخلت عنها بعض العائلات اثر انتقالها للسكن في الاحياء المستحدثة، ابرزها "ضيافة الجيران" او تبادل سكب الصحون، وتبادل العزائم بين الجيران، بينما العائلات الراقية باتت تفضل العزائم في المطاعم الفاخرة.
يرى عدد من سكان حي باب الرمل ان لشهر رمضان نكهة خاصة في احيائهم لانه شهر الرحمة والغفران وعلى الجيران والاهل والاقارب الابتعاد عن كل ما هو بغيض ويؤذي الغير، وفي هذا الشهر ترى الناس يتوددون فيما بينهم ويمدون يد المساعدة لبعضهم البعض وتقدم الطعام للفقراء حيث لا تجد فقيرا في حي فقير الا ويأكل ويشرب من نعم الله، ويعتبرون ان المساعدات التي تصلهم من الجمعيات المحلية معظمها لا تغني ولا تسمن، لكن الفقراء لا يرفضونها
ايضا بات لهذا الشهر نكهة خاصة في شارع الضم والفرز حيث يضم سلسلة مطاعم ومقاه تزدحم بعد الافطار بالرواد وتميز هذا العام باحياء ليالي رمضان بالفرق المولوية التي اشتهرت بها مدينة طرابلس تاريخيا، اضافة الى سهرات رمضانية تبقى حتى الفجر مع مسيرات ليلية تقوم بها الفرق الصوفية حيث تجوب الشوارع وهي تنشد التراتيل الدينية.