مرة جديدة تعود الظواهر الفلكية لتكون أساساً لموجة كبيرة من الشائعات، التي لا تستند إلى أي منطق علمي، إلا أنها تكون ضرورية من وجهة نظر البعض في سياق البحث عن مادة سجال جديدة في الأوساط الشعبية.
في أواخر حزيران، شهد سكان الكرة الأرضية ظاهرة تُعَدّ من أجمل الظواهر الفلكية، حيث اقترن كوكبا الزهرة والمشتري في حدث نادر من نوعه، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وكان من الممكن مشاهدته بالعين المجردة، خصوصًا أنّها كانت ظاهرة للعيان بشكلٍ كبير في اليوم الأخير من حزيران والأول من تموز، وقد بدأ وهجها يخفّ في 2 تموز، على أن تبقى ظاهرة حتى العاشر منه، إلا أن هذه الظاهرة الفلكية تحولت سريعاً إلى مصدر شائعات كبيرة، وصلت إلى حد حسم البعض بأنها مؤشر على قرب موعد إنتهاء العالم، والبعض الآخر إلى التأكيد بأنها دلالة على عودة ظهور السيد المسيح، الأمر الذي يعود إلى إعتقاد البعض بأنها تذكر بظاهرة "نجمة بيت لحم" الفلكية، التي حصلت يوم ولادة السيد المسيح قبل أكثر من ألفي عام.
المصادر العلمية تؤكد بأن هذه الظاهرة تعود إلى إقتران كوكبي الزهرة والمشتري ظاهرياً على خط المسار نفسه، لمسافة تقدّر بثلث درجة وتساوي قطر قمر مكتمل، وخلالها يرتفع المشتري فوق كوكب الزهرة ما يسمح بمشاهدة ضوء الكوكبين بالعين المجرّدة لساعات عدّة قبل أن يفترق الكوكبان تدريجياً عن بعضهما البعض.
في هذا السياق، يؤكد المتخصص في هذا المجال الدكتور روجيه حجار، في حديث لـ"النشرة"، أن الكوكبين إقتربا على خط نظر واحد، وبعد ذلك عادا إلى الإبتعاد، ويلفت إلى أن الحديث عن أنها "نجمة بيت لحم" هو من التكهنات والطرائف التي يحبّ الناس تداولها لا أكثر، ويضيف: "الكوكبان لم يقتربا من بعضهما البعض فعلياً إلا على الصعيد النظري".
وفي حين يشدد الدكتور حجار على أن هذه الظاهرة فلكية ولا تداعيات أو خلفيات لها، يوضح أنها كغيرها من الظواهر الفلكية تتكرر بين الحين والآخر، ويلفت إلى أن هناك الكثير من النظريات التي تتناول ما يمكن أن يكون هو فعلياً ظاهرة "نجمة بيت لحم" التي حصلت قبل نحو ألفي عام.
بدوره، يلفت الخبير والمحلل التكنولوجي والإستاذ الجامعي الدكتور أنطوان طنّوس، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن وسائل الإعلام تركز في كل مرة على الظواهر الفلكية بطريقة ما، وتعمل على وضعها في إطار معين بغرض جذب القراء أو المشاهدين، من دون الإستناد في التفسير إلى الأسس العلمية، في حين من الممكن أن تتكرر دائماً.
ويشير الدكتور طنّوس إلى أن حركة كوكبي الزهرة والمشتري في الأيام الأخيرة خولت سكان الأرض مشاهدتهما في خط واحد، نظراً إلى أن الأول بعيد ما يقارب 46 مليون ميل، في حين أن الثاني بعيد ما يقارب 560 مليون ميل، ويوضح أن الزهرة كان أوضح رغم أن المشتري أكبر إلا أنه أبعد.
ويشدد الدكتور طنّوس على أن اللافت أن هذا الأمر على الصعيد الفلكي يحصل بشكل دائم، ويضيف: "نحن نراهما بهذا الشكل من الأرض لكن كل كوكب منهما لا يزال في موقعه"، ويؤكد أنه على خط النظر التقارب بين الكوكبين بدأ منذ اسبوعين، ومن ثم عادا إلى التباعد.
ويشدد الدكتور طنّوس على أن حديث الشارع عن أن هذه علامات نهاية العالم أو ظهور السيد المسيح من جديد لا أساس فلكي له، ولا أحد يعرف أصلاً أي حالة حصلت على أيام ولادة السيد المسيح، ويؤكد أن ما حصل هو من الظواهر الفلكية التي تتكرر إلا أن الناس ضخمت الموضوع، في حين هو علمي محض.
في المحصلة، ما حصل هو من الظواهر الفلكية الكثيرة، لا بل بعض المصادر الفلكية تؤكد أنها ليست نادرة الحدوث، إلا أن البعض أراد ربطها بما هو أبعد من ذلك، من دون تقديم المبررات العلمية المطلوبة.