أثار بيانان منفصلان منسوبان لما يُعرف بـ"داعش"، وزعا في عدة أحياء بمدينة القدس المحتلة قبل أيام(1)، ردود فعل متفاوتة في الشارع الفلسطيني عموماً، والمقدسي خصوصاً، لما يحملانه من تحريض واضح على قتل المسيحيين وتهديدٍ أوضح بـ"ذبحهم قُبيل عيد الفطر المجيد" في حال عدم رحيلهم من المدينة(2).
ورغم أن البيانين اللذين وُقّعا بـ "إمارة بيت المقدس" لقيا استنكاراً واسعاً من قبل الفلسطينيين والمسيحيين ورجال الدين، يرى مراقبون أن جهات مشبوهة ومجموعات من الطابور الخامس قد تقف خلف هذه البيانات لإشعال فتنة في المدينة المقدسة، فيما لمّح الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى وقوف جهات إسرائيلية خلفه بالقول "إنه وُزع في منطقة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية".
إثارة للبلبلة..
وفي هذا السياق، ربط الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، توزيع هذه البيانات بالتغطية على جريمة المتطرفين اليهود بحرق كنيسة "السمك والخبز" في بحيرة طبريا، قبل أسبوعين إذ ظهرت البيانات تزامناً مع الاستنكار الواسع من قبل الجميع، مشدداً على أنّ هذه البيانات تهدف إلى إثارة البلبلة بين المقدسيين.
وفي حديث إلى "النشرة"، قال عيسى إنّ "هؤلاء بعيدون عن عادتنا وتقاليدنا، وهم مجموعة انفرادية ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالشعب الفلسطيني"، مؤكداً "أننا لا نقيم وزناً على الاطلاق لمثل هذه البيانات التي يمكن أن تكون مدعومة من الطابور الخامس" وفق قوله.
واعتبر عيسى أنّ الهدف الأساس من توزيع هذه البيانات إثارة البلبلة في أوساط الشعب الفلسطيني، "لكننا نعرف أصالة وتاريخ وحضارة هذا الشعب، وهم يريدون لفت أنظارنا عن القضية الرئيسية وهي إزالة الاحتلال عن أرضنا، حتى نهتم في أمور داخلية"، واصفاً إياها بزوبعة في فنجان.
مغالطات وأخطاء!
ويتضح في البيانات التي وزعت، ضعف الصياغة واللغة الركيكة التي كتبت فيها، إذ تبدو بعيدة عن اللغة والأسلوب الذي يستخدمه "داعش" في بياناته، خصوصاً كالتي تصدر عبر المواقع الجهادية في سوريا والعراق.
وحملت هذه البيانات الكثير من المغالطات حتى في اللعة العربية التي ظهرت ضعيفة، ما يعني أن هنالك جهات مشبوهة تقف خلفها لأجل إلهاء الفلسطينيين عن قضاياهم الوطنية، والتركيز على الفتن والمشاكل الداخلية.
يضاف إلى ذلك، أن "إسرائيل" ومنذ نشأة "داعش" بدت معنيّة بقوة في هذا التنظيم التكفيري وأخواته، وتعمل على دعم هذه التنظيمات بطرق غير مباشرة كما يحصل في سوريا مثلاً مع تنظيم "جبهة النصرة" الذي تدعمه لوجستياً وطبياً وفق سياسة إسرائيلية مبرمجة.
من يقف خلفها؟
"لن يخترقوا صفوفنا"، هذا ما يؤكد عليه الناطق الرسمي باسم بطريركية الروم الأرثوذوكس في القدس الأب عيسى مصلح، إذ يشدد في ذات السياق على أن علاقة المسلمين بالمسيحيين علاقة متينة، وكل محاولات الفتنة والتأثير على هذه العلاقة ستبوء بالفشل.
وفي حديث مع "النشرة"، قال مصلح، "إن الاحتلال الاسرائيلي هو من يقف وراء هذه البيانات المزعومة"، لافتاً إلى "أننا سنبقى نعيش على هذا التراب المقدس مسلمين ومسيحيين ولن تفرقنا أي جهة مهمة حاولت وكانت تمتلك من قوة".
وشدّد مصلح على أنّ الشعب الفلسطيني والمقدسيين على وجه الخصوص يعون ذلك جيداً ومتفهّمون لهذه البيانات المشبوهة، مؤكداً أن علاقة المسلمين الذين يحرضهم البيان على الإرشاد عن المسيحيين لقتلهم "لن تهتز بأي شكل من الأشكال".
وأضاف الناطق باسم بطريركية القدس: "واضح أن هناك من يريد إثارة الفتنة في المجتمع الفلسطيني، ولكن أهدافنا وآمالنا واحدة مسلمين ومسيحيين وسيكون للبطاركة في القدس ورؤساء الكنائس موقف خاص من ذلك".
(1) وُزّع البيان في مناطق مختلفة من القدس المحتلة، كالبلدة القديمة وبيت حنينا وغيرها، وتمّ تداوله بشكل واسع محلياً وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ثمّة شكوك تبقى في الواجهة حول الصياغة التي كٌتب فيها البيانان، إضافة إلى المصطلحات المستخدمة، والتي لا تبدو بالفعل كالمصلحات التي يستخدمها "داعش".
(2) جاء في البيان: "إنّ الدولة الاسلامية تعرف أين يسكن معظم النصارى وتم رصد بعضهم، وستعمل مجموعة السيوف الصوارم على تطهير الأحياء الاسلامية من هؤلاء خلال شهر رمضان المبارك كي يأتي عيد الفطر لتصبح الأحياء نظيفة تماماً". وحدد البيان المناطق التي سيجري "تطهيرها" - وفق زعم البيان، وهي مناطق: "بيت حنينا وشعفاط وصولاً لباقي الأحياء كالبلدة القديمة ووكنيسة القيامة".