شهر رمضان مدرسة دائمة تعلم حُبّ الله، وحُبّ الناس، ومحبة كل المخلوقات.. إنه مدرسة تربي على مكارم الأخلاق، وشمولية الأخوة بين المؤمنين، وطاعة الله الرحمن الرحيم، الذي يدعونا في كل لحظة إلى عيش قيم العدل والتراحم والغفران والمصالحة والتسامح والسلام.

رمضان ليس شهراً واحداً، إنما هو كل أشهر السنة، فأيامنا كلها يجب أن تكون رمضانية، وروح رمضان عليها أن تشمل البشرية جمعاء، وأولهم المسلمين والمسيحيين، فيعملوا معاً بصدق وإخلاص على وقف النزاعات والحروب والعنف والإرهاب والكراهية والإجرام والقتل والدمار والتهجير والعذاب في عالمنا العربي والمشرقي.

رمضان مدرسة نتعلم فيها فقه اللحظة ولاهوت اللحظة، الذي هو فكر نيّر لتقريب الناس في عصرنا إلى الله الخالق المحب والمخلص، من خلال ثقافتهم ودينهم وحضارتهم وعلومهم وإبداعهم، لتحريرهم من أسر الماضي وظلامه وتخلفه وعيوبه وخطاياه وكفره، وللتأكيد على أن الله حاضر وفاعل في كل زمان ومكان، وهو يحبنا اليوم كما أحب الذين سبقونا، والروح الحي والمحيي ينير طريقنا اليوم للالتزام بديننا، والتعبير عنه بلغتنا المعاصرة، وأدبنا، وفننا، وإبداعنا، وعدم تكرار ما فهمه وأنجزه الآخرون.

صحيح أننا ننهل من كتبنا المنزَّلة، وتراثنا الأصيل، ومن السلف الصالح، ونحن أبناء التاريخ وورثته، إنما الله يطالبنا اليوم بتجديد خطابنا الديني، وبالاجتهاد والتفسير العلمي والتأويل من أجل صنع التاريخ، والله سيحاسبنا على ما فعلناه في زماننا، وما سنفعله في كل لحظة لكي نكون شهوداً حقيقيين في عالم اليوم لحضور الله فينا وأولويته بالنسبة إلينا.

إن فقه اللحظة هو الطريق الحضاري لتجديد العالم الإسلامي، واسترجاع وحدة المسلمين، والمشاركة في الإبداع.. إذا كان الإسلام، في بداياته، قد سعى إلى إقامة مجتمع مختلف ومتقدّم، فإن المسلمين لديهم القدرة اليوم على بناء مجتمع جديد، يكونون فيه شركاء فاعلين في صنع العولمة وإقامة الدولة الحديثة.

في هذه الأزمنة الجديدة، علينا بناء عالم إلهي وإنساني لا انفصام فيه، بل انفتاح وحرية وتفاعل وتكامل وشراكة ووحدة في التنوع، يؤسس لمشروع عربي، إنساني، حضاري، ديني، ثقافي، سياسي، اقتصادي، اجتماعي جديد، ويُحدث التغيير الحقيقي في مشرقنا العربي، على قاعدة الحرية والحق والمواطنة والعدالة والمساواة والسلام.