توقف دوي المدافع وقصف الطائرات قبل عام على غزة، لكنّ الحرب التي شنتها "إسرائيل"(1)آنذاك ما زالت مستمرة في صور مختلفة، فالحصار الاسرائيلي ما زال على حاله، بينما عشرات آلاف المنازل بقيت مدمرة ولم يُعَد بناؤها أو ترميم جزء منها، في وقت يستذكر فيه الغزيون أبناءهم وأحباءهم الذين فقدوهم في تلك الايام القاسية، فيما تبقى الأوضاع الاقتصادية والإنسانية كارثية على سكان القطاع المحاصر منذ ثماني سنوات.
وفي بلدة خزاعة التي ما تزال شاهدة على همجية الاحتلال إلى الشرق من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزّة، تجلس الأم هديّة النجار على أنقاض منزلها الذي دمرته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في العدوان الأخير على القطاع، وهي تستذكر تفاصيله بدّقة وكيف كانت حياتهم هادئة ومستقرّة، بعد أن حوّلها الاحتلال إلى تشريد ومعاناة وجحيم كما وصفتها.
حالة الحزن والألم لا زالت تساور الأم هدية (45 عاما) حتى الآن رغم مرور عام على العدوان، إذ لا تزال هي وأسرتها المكونة من 13 فردا تعيش في ظروف مأساوية بعد أن قصف منزلها المكون من ثلاثة طبقات وحوّله إلى ركام.
تقول لـ"النشرة" وهي تقف على أنقاضه، "هنا كان منزلي الذي شهد على زفاف ابني، عشنا فيه أجمل الذكريات والحكايات، اليوم هو ركام وبلا إعمار، ومعاناتنا تفاقمت، لا أعرف إلى متى سيستمر حالنا على هذ النحو".
كومة من ركام...
حال هذه العائلة لا تختلف عن الكثير من الذين شرّدتهم وحشية الاحتلال، لكنّ الألم لا زال يعتصر قلوب آلاف الأسر التي فقدت أبناءها وسقط أطفالها شهداء، كعائلة الحاج مثلاً التي قُصف منزلها ليلاً دون سابق إنذار ما أدى لاستشهاد ثمانية فلسطينيين وإصابة العشرات.
يقول ياسر الحاج (25 عاماً) وهو الناجي الوحيد من المجزرة بعد أن فقد كل أفراد أسرته في قصف المنزل، "ذكرى العدوان تفتح في قلوبنا جروحاً لن ننساها، فأنا فقدت كل أفراد أسراتي والدي ووالدتي وأشقائي وأخواتي، فالألم لا زال يعتصر قلبي على فراقهم".
ويضيف: "في كل لحظة أتذكرهم، ودائماً في مخيلتي، لا يمكن أن أنسى كيف تربيت في كنف أسرتي التي احتضنتني منذ طفولتي، لا يمكن أن أنسى وجه أمي البشوش ووالدي الذي كان سندي طوال حياتي اضافة الى أشقائي".
ويردف: "طائرات الاحتلال حولت منزلنا إلى كومة من ركام، وقد فقدت كل أفراد أسرتي عدا شقيقتي فداء التي نجت كونها متزوجة في رفح المدينة المتاخمة لخان يونس جنوب قطاع غزة".
الأوضاع تزداد سوءًا
ولا يتوقّع الخبير الاقتصادي ومدير العلاقات العامة والإعلام غرفة تجارة وصناعة غزة ماهر الطباع إعادة إعمار قطاع غزة في الوقت القريب، في ظل الرقابة الدولية التي فُرضت على مواد البناء، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية أكثر خصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
وفي حديث إلى "النشرة"، قال "إنّه ومنذ وقف إطلاق النار وحتى الآن، لم يتجاوز ما دخل من أسمنت الى غزة من خلال القطاع الخاص لإعادة الإعمار الا 135 ألف طن وهو يكفي احتياج غزة لمدة 15 يوماً فقط.
وشدّد الطباع على أن الأوضاع تفاقمت سوءًا بعد العدوان، وانعكست على مختلف القطاعات الأخرى، فالقطاع الخاص والمنشآت الاقتصادية على حالها، مشيراً إلى أنّ ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي هو صرف تعويضات للمنشآت الاقتصادية بما لا يتجاوز 9 مليون دولار وصرفت للمنشآت الصغيرة التي بلغ تقييم خسائرها أقل من سبعة الاف دولار.
وبلغت نسبة البطالة في غزة 55%، في وقت وصل عدد العاطلين عن العمل إلى ربع مليون، وبلغت نسبة الفقر 39% والفقر المدقع 21%، إلى جانب مليون شخص يعيشون على المساعدات التي يتلقونها من "أونروا" والمؤسسات الدولية والإغاثية العاملة في غزّة.
انتكاسة!
سياسياً، زادت حالة الاستقطاب السياسي الفلسطيني بين الأحزاب السياسية في الداخل الفلسطيني بشكل كبير، ومعها تفاقمت حدة الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس" التي انعكست سلباً على الحالة السياسية الفلسطينية بشكل عام، وبدت الحالة متجذرة وأصبح الانقسام والحصار سيّدي الموقف.
في هذا الاطار، يعتبر المحلل السياسي هاني البسوس، أنّ ما حدث بعد العدوان الإسرائيلي انتكاسة حقيقية، بعد أن عقد الفلسطينيون الآمال على حكومة التوافق الوطني وتحقيق المصالحة وفك الحصار الإسرائيلي على القطاع وفتح المعابر وغيرها، لكنّ الانقسام أصبح معمقاً بشكل كبير.
وفي حديث مع "النشرة"، يقول البسوس: "إنّ هذه الانتكاسة انعكست على كافة مناحي الحياة في غزة، ومعها زادت نسب الفقر والبطالة وانعكست على الحالة النفسية والاجتماعية والسيكولوجية لسكان القطاع المحاصر".
وقال البسوس، إن حكومة التوافق الوطني لم تعمل في غزة بسبب الاشكاليات السياسية الناتجة عن الانقسام الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس" وتصاعد حدة الخلافات حول ذلك بينهما، في مختلف المواقف والقضايا الحاصلة المتعلقة بالمعابر وعمل الأجهزة الأمنية والموظفين وغيرها.
الانفجار قادم..
وبينما ألمح البسوس إلى تصاعد الخلافات بين الأحزاب الفلسطينية، أكد أنه من الصعب تغيير الحالة الفلسطينية وإنهاء الأزمات التي يعاني منها الغزيون طالما استمر الانقسام، مشدداً على أن "المواطن الفلسطيني أصبح يعيش وسط الأزمات في حالة غير عادية على الإطلاق".
وتوقّع المحلل السياسي "أنه على مدار السنوات القادمة سيكون عدد العاطلين عن العمل واستمرار الوضع على حالة قنبلة موقوتة في وجه الجميع، وعلى الأطراف أن تتدارك الخطر القادم قبل حدوثه".
وأضاف البسوس: " إذا بقي حال غزة بدون إعمار، ولم تحدث تهدئة طويلة الأمد، ويجري إنهاء معاناة الناس، ستنفجر من كل المناحي".
(1)شنّت إسرائيل بتاريخ 7/7/2014 وحتى 26/8/2014 حرباً على قطاع غزة استمرت لـ51 يوماً متواصلة، قتل خلالها 2217 فلسطيني وجرح نحو 11 ألفًا آخرين، وتضررت خلالها أكثر من مئة ألف وحدة سكنية بشكل كلي وجزئي، وتشرد مئات آلاف الفلسطينيين في القطاع وفق إحصاءات رسمية فلسطينية.