ما أعلنه الرئيس سعد الحريري «أقل من مبادرة... وأكثر من تنفيس احتقان». هكذا تقرأ مصادر في تيار المستقبل خطاب الحريري أول من أمس. تكهنات كثيرة طرحت قبل الخطاب حول الرد الحريري على التصعيد الأخير للتيار الوطني الحر. مستقبليون كثر توقعوا أن يذهب رئيس تيار المستقبل الى تصعيد غير مسبوق ضد العماد ميشال عون، لكن الحريري فعل عكس المتوقّع: «صعّد مع حزب الله... وبرّد مع عون»!
وبرغم شعور المزاج السنّي بـ «الإهانة» بعد «تطاول» الوزراء العونيين على مقام الرئاسة الثالثة، فإن ردّ الفعل الحريري، بحسب المصادر، مهجوس «بالقلق مما آلت إليه الأوضاع السياسية بعد انفجار الغضب العوني في الشارع، ومن أن يجر هذا الانفجار في طريقه حكومة المصلحة الوطنية». لذلك، بدت خيارات رئيس تيار المستقبل «محدودة» إلى حدّ لم يستطع معه سوى «تكرار المكرّر في موضوع حزب الله واللجوء إلى خيار التهدئة مع العماد عون». بيت القصيد، طبقاً للمصادر، أن «الحريري خضع لمنطق العقل داخل التيار لا للمنطق الشعبوي». لذلك، أفصح عن رؤيته للمرحلة المقبلة، وخصوصاً الأسبوعين اللذين يفصلان عن موعد جلسة الحكومة المقبلة. و«بدلاً من الذهاب في مواجهة مفتوحة مع عون، أعلن نيته عدم التصادم معه، وأبقى الباب مفتوحاً أمام الاتصالات ولو من باب تنفيس الاحتقان الذي خلّفته الأحداث الأخيرة». وهو هرب من الهجوم على جنرال الرابية «بتسليف شارعه خطاباً عالي السقف، ولو مكرّراً، ضد حزب الله وقتاله في سوريا، علماً أنه خطاب كلاسيكي اعتاده جمهور المستقبل منذ 4 سنوات، على قاعدة رفع الصوت على المنابر السياسية ما دام الحوار الثنائي مع الحزب قادراً على ضبط مفاعيله».
مصادر مقرّبة من الحريري تكشف عن وجهتي نظر ظهرتا بوضوح في الاجتماعات التي عقدها «الشيخ سعد» مع «جماعته» في الرياض أخيراً. واحدة يمثلها الرئيس فؤاد السنيورة، الذي يرى أن على تيار المستقبل أن «يستغّل الظرف الصعب الذي يمرّ به عون لكسره، في ظل العزلة السياسية التي يعانيها نتيجة تخلّي حلفائه عنه، بمن فيهم حزب الله الذي لم يدعمه كما يجب، إضافة إلى فشله في التجييش داخل الشارع المسيحي». والثانية يمثلها نادر الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، إلى المستشار هاني حمود وحتى باسم السبع. وهذه الدائرة لا تزال «تفضّل التواصل مع الرابية وملاقاة عون في منتصف الطريق». وخطاب الحريري الأخير، بحسب المستقبليين، يؤكّد أن «الكفّة رجحت لمصلحة هذا الرباعي الذي توّلى منذ أكثر من سنة تنظيم العلاقة مع عون والإنفتاح عليه»، برغم محاولة السنيورة اللعب بالنار عبر الإتصال الذي أجراه مع النائب سليمان فرنجية، مقدراً له موقفه حيال الفدرالية والتصعيد الذي حصل.
جاءت كلمة السر خلال الخطاب «بإمكانية معاودة فتح قناة إتصال مع العونيين»، عبر التأكيد أن «لا فيتو على أي مرشّح رئاسي، وأن التعيينات العسكرية ستناقش في وقتها». وهذا يعني «إشارة حريرية لعون بأن التفاهم حول مرشّحه لقيادة الجيش لا اعتراض عليه في وقته». المقرّبون من رئيس تيار المستقبل يؤكدون: «لا يريد الرئيس الحريري خسارة عون»، ويشددون على أنه «لو كانت الأمور في يده لما تأخر عن انتخابه رئيساً للجمهورية»، لكن «الحريري المكبّل بقرار سعودي في هذا الشأن، لا مانع لديه من الاتفاق على ملفات أخرى ما دون الرئاسة، لأسباب عدّة». أهمها بحسب المستقبليين «عدم رمي شريحة كبيرة من الشارع المسيحي في حضن حزب الله»، إضافة إلى «استشعار التيار خطراً حقيقياً جراء وقوف القوات اللبنانية إلى جانب عون في معركة حقوق المسيحيين على نحو تظهر فيه المعركة وكأنها معركة سنّية ـــــ مسيحية»، وفيما لا تملك الأوساط المستقبلية تصوراً حول الترجمة الفعلية للخطاب، إلا أنها توقعت «تحركاً تجاه عون في الأيام المقبلة يرعاه مقربون من الرئيس الحريري، على قاعدة أن دقّة الوضع لا تحتمل إغلاق كل منافذ الحلّ مع العونيين».