وأخيراً، وُقّع الاتفاق النهائي حول البرنامج النووي الإيراني بين طهران وعواصم الدول الست وعلى رأسها واشنطن. ولادة الاتفاق بصيغته النهائية لم تكن في حقيقة الأمر مفاجأة، بما أنها كانت متوقعة خلال المراحل الماضية، وخصوصاً بعد التفاهم على الاتفاق - الإطار. وكان واضحاً أنّ الأجواء المتضاربة التي تناقلتها وسائل الإعلام إنما كانت جزءاً أساسياً من عملية الإخراج وشدّ الحبال لتحصيل المكاسب في اللحظات الأخيرة.
كما كان متوقعاً أيضاً، فإنّ ساحات القتال المشتعلة في الشرق الأوسط تصاعدت حماوتها لتصل إلى مستويات قتالية خلال الفترة الممتدة ما بين توقيع الاتفاق - الإطار وولادة الاتفاق النهائي. هكذا اشتعل العراق، وحصلت معارك كبيرة في سوريا، وتواصلت المعارك في اليمن، وتدهورت الأوضاع في جرود عرسال في لبنان وفي المناطق المتاخمة لحدوده مثل جرود القلمون والزبداني.
معارك عنيفة كان عنوانها تسجيل انتصارات ميدانية لترسيخ واقع جديد يُكرَّس لاحقاً في المفاوضات السياسية التي من المفترض أن تَلي إقفال ملف البرنامج النووي الإيراني. ذلك أنّ إيران خاضت بالتأكيد مفاوضات غير منظورة مع الأميركيين حول مستقبل الشرق الأوسط في موازاة مفاوضاتها النووية على أساس أنها ستصبح لاعباً أساسياً في المنطقة يحظى باعتراف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، لاعباً بمرتبة الشريك له تأثيره ومصالحه وقدراته.
الرئيس الإيراني حسن روحاني عكَس غير مرة الدور الجديد لإيران، موجّهاً دعوته إلى حلّ الخلافات في العالم من خلال المفاوضات، وفي ذلك إشارة واضحة للسلوك السياسي الجديد لبلاده في المنطقة.
الأوساط الديبلوماسية المعنية تبدي ثقتها بأنّ الحماوة المجنونة التي تصاعدت خلال الأشهر الماضية ستبدأ بالتراجع. بالتأكيد لن يعني وقف القتال وتبريد الجبهات وانتهاء المعارك، لكن مستوى الحماوة سيبدأ بالانخفاض. قد لا يترجم ذلك فوراً في حلب مثلاً ولا في الزبداني وجرود القلمون وجرود عرسال، فهذه معارك مطلوب منها أن ترسو على نتيجة واضحة في هذا الاتجاه أو ذاك، لكنّ العنف من دون أفق سيبدأ بالانخفاض.
في العراق، مثلاً، باشرت القوات العراقية ومعها «الحشد الشعبي» تسجيل تقدّم لها في الفلوجة بإشراف قاسم سليماني بعدما كان الأخير قد فشل في معارك الموصل.
هناك اقتناع لدى الأوساط الديبلوماسية الغربية بأنّ قنوات التفاوض ستفتح ولكن ليس الآن وليس بالسرعة التي تعتقدها، أو ربما تتمناها، شعوب الشرق الأوسط. ذلك أنّ هذه الأوساط تتحدث عن آليات وترتيبات قد تتطلب بضعة أشهر إضافية.
في خطاب الرئيس الإيراني، ذُكر اسم لبنان إلى جانب اليمن. لم يُفهم ما إذا كان هذا الربط متعمّداً من باب تلازم الحل أو للإشارة إلى التشابه لناحية طرفي النزاع وهما السعودية وإيران.
قريباً جداً ستبدأ زيارات المسؤولين الرسميين الغربيين الكبار إلى طهران، وقريباً جداً سيباشر المسؤولون الفرنسيون طرح الأزمة اللبنانية على المسؤولين الإيرانيين كون باريس ستتولى بالتنسيق مع واشنطن دوراً أساسياً في رعاية التسوية في لبنان، لكن ذلك يحتاج بعض الوقت. ويَصف سفير أوروبي الاهتمام الدولي بالملف اللبناني بأنه أصبح ضرورياً لكنه ليس داهماً بعدما كان في السابق موضوعاً على الرف، وكان التركيز على الاستقرار الأمني والحكومي فقط.
وخلال الأسابيع الماضية حصل تواصل فرنسي - روسي حول الملف اللبناني، وقيل إنّ خريطة طريق قد وضعت وسيجري العمل وفقها.
وفيما بات مؤكداً أنّ الديبلوماسي الفرنسي فرنسوا جيرو لن يزور لبنان مجدّداً، كونه سينتقل إلى مقر عمله الجديد، باشرت الدوائر الفرنسية التحضير لعقد مؤتمر عنوانه «حماية الأقليات في الشرق الأوسط».
وهذا المؤتمر الذي سيُشرف عليه الديبلوماسي فرنسوا - كزافييه دونيو سيعقد في 8 أيلول المقبل في باريس، وستشارك فيه عواصم كبرى إضافة إلى بعض البلدان العربية مثل سلطنة عمان والأردن.
وسيكون لبنان حاضراً بقوة في جدول أعماله كونه يحتضن آخر مكوّن مسيحي في الشرق الاوسط، إضافة إلى الأقلية الدرزية وطوائف أخرى. ودونيو هو ابن شقيق السيناتور الفرنسي الراحل جان- فرنسوا دونيو الذي ذاع صيته في لبنان بسبب زياراته المستمرة ودعمه للعماد ميشال عون ما بين عامي 1988- 1990.
ولا شك في أنّ الثمن الكبير الذي دفعته الأقليات الدينية في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، والتي عرفت بحقبة «الربيع العربي»، سيشكل مدخلاً ممتازاً للبحث في طريقة الحفاظ على من تبقى منها في المنطقة. لذلك فإنّ لبنان سيكون البند الأساسي ومعه البحث في حلّ الأزمة السياسية التي تعصف به من خلال تأمين مظلة دولية - عربية- إيرانية.