حمل خطاب رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الاخير تغييرات بسيطة عن الخطابات التي سبقت، فرغم كل "الروتين" في حديثه الذي لا بد ان يحمل عبارات الهجوم "الخفيف" على "حزب الله"، كان مفاجئا للبعض دعوته لعدم انتظار المتغيرات الاقليمية و"النووية" لإحداث خرق في الواقع الرئاسي اللبناني، بما يعني الدعوة الى "لبننة" الاستحقاق، مما يثير التساؤل عند هؤلاء حول توقيت هذه الدعوة خاصة ان هذا الخطاب سبق توقيع الاتفاق النووي الايراني بساعات قليلة فقط.
تعتبر مصادر مطلعة أن هذه الدعوة هي الرد السعودي الاول على الاتفاق النووي الايراني قبل ان يبصر النور بساعات، فالسعودية وبلسان "الشيخ سعد" ارادت ابلاغ معارضيها في لبنان وايران أن الاتفاق وإن وُقع فلن يحمل رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، سائلة: "لو كان الواقع معاكسا وفشل الاتفاق النووي هل كان ليدعو الحريري لاخراج ملف الرئاسة من البازار الاقليمي؟"
في هذا الاطار يشير المحلل السياسي غسان جواد الى أن طرح الحريري بعدم ربط ملف الرئاسة بالمتغيرات الاقليمية هو طرح قوى الثامن من آذار وتحديدا "حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فمنذ العام 2011 ومن خلال أكثر من مناسبة طالب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله فريق "14 اذار" بعدم الرهان على متغيرات خارجية وتحديدا في الملف السوري، وثبت بما لا يقبل الشك أن ما يجري في لبنان لا علاقة له بسوريا وغيرها.
ويتابع عبر "النشرة": "من المعلوم ان فريق 14 اذار يرتبط ارتباطا عضويا بالخارج وخاصة السعودية ويعتمد على المعطيات الاقليمية بشكل دائم وإن أول اشارة جدية على انخراط الحريري وفريقه بالمشاريع الخارجية كانت عند بداية ما يسمى بالثورة السورية عندما قال "سأعود الى بيروت من مطار دمشق"، وبالتالي كانت تلك بداية تحول هذا الفريق الى اداة فاعلة في سياق المشروع الاقليمي".
ويتفق المحلل السياسي سيمون أبو فاضل مع جواد لجهة انه لا يمكن الفصل بين ما يجري في لبنان وما يجري في سوريا اذا ما اخذنا بالاعتبار ان فريقا لبنانيا يقاتل هناك، مشيراً إلى أنّ الحريري قارب هذا الملف من ناحية عدم جدوى قتال حزب الله لان سقوط النظام هو أمر حتمي، مشدّدًا على أنّ خطاب الحريري هو استكمال لنهج سابق لعدم ترك لبنان يتأثر بما يجري حوله ومنع تحويله الى ساحة صراع لقوى اقليمية على أرضه.
ولا يرى ابو فاضل، في حديث لـ"النشرة"، أي تغيير في سياسة رئيس تيار المستقبل، معتبرا ان الحريري سعى منذ البداية لفصل لبنان عن مشاكل المنطقة. ويضيف: "في هذا السياق جاء الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله مسقطا كل الشعارات التي رفعت سابقا كتدخل المستقبل في سوريا والمحكمة الدولية".
من جهة ثانية، يعتبر جواد ان التغييرات التي طرأت على خطاب الحريري سببها التطورات الاقليمية التاريخية التي حصلت، والمتمثلة بشكل اساسي بتوقيع الاتفاق النووي الايراني مع الدول الخمس زائدا واحدا، مشيرا الى ان الحريري وفريقه استشعروا "الاختلال" في موازين القوى الاقليمية لمصلحة محور المقاومة وبالتالي هم اليوم يحاولون نزع او تعطيل اي فعالية للاتفاق النووي في لبنان وخاصة في الشأن الرئاسي. ويضيف: "ان التفاهم مع الحريري في لبنان لن يتم الا اذا جرى الاتفاق مع السعودية"، متوقعا ان يتشدد فريق 14 اذار في مواقفه في الايام المقبلة لانه يعاني من خسائر كبيرة في المنطقة ولم يبق للسعودية سوى الملعب اللبناني كي تحاول تسجيل الاهداف فيه.
أما ابو فاضل فيعتبر ان تداعيات توقيع الاتفاق النووي الايراني على المنطقة ولبنان لن تظهر قريبا وعلى السياسيين اللبنانيين الانتظار لتصبح الامور أوضح، ويرى ان الامر الاسهل الذي يمكن الدفع لأجل تحقيقه في المنطقة هو انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية كون المنطقة تضم جبهات ساخنة تحتاج لوقت طويل قبل أن تُحل.
قد لا تتفق الآراء حول فكرة تغيير الحريري لخطابه وسياسته، ولكنها حتما متفقة أن "المراوحة" هي سمة المرحلة المقبلة على لبنان بانتظار تبلور المشهد السياسي الاقليمي الجديد، فالعلاقة الايرانية السعودية لم تستقم بعد، وإن كان أكيداً أنّ الاتفاق النووي سيغيّر المعادلات في المنطقة بشكلٍ كامل.