سريع حصول المتغيرات الإقليمية-الدولية اكثر مما تعتقد العواصم انفسها-الفاعلة على خطي الاحداث و المعالجات. قبل ان يتم الاعلان عن ولادة الاتفاق النووي، وصلت الرسالات المتتالية الى الرياض تفيد بحتمية التوافق بين الغرب وايران، معطوفة على تطمينات أميركية بالالتزام النهائي بالتحالف القائم بين السعودية والولايات المتحدة الاميركية.
تحرك السعوديون بإتجاهات عدة: اوحوا للأميركيين بثبات الثقة بهم، أعادوا ربط العلاقة مع موسكو على اساس الاستعداد لمناقشة اي طرح وخصوصا حول سوريا، تجاوزوا عقدة "الاخوان المسلمين" واستقبلوا المسؤول السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، غازلوا الاتراك رغم كل التباينات السياسية والسباق القائم بين انقره والرياض والحساسية المصرية تجاه القيادة التركية، واصلوا المضي بعقود التسليح مع دول الاتحاد الاوروبي، استمروا في الحرب اليمنية، أعادوا الربط السياسي بشخصيات لبنانية كما بدا في زيارة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي كان غرّد سياسياً عبر التفاهم مع "التيار الوطني الحر" بعيدا عن حليفه "تيار المستقبل".
فماذا تعني هذه الخطوات السعودية؟
توحي حتماً بأن الرياض مستعدة لكل الاحتمالات، حرباً أو سلماً أو مفاوضات وتسويات، في ظل قلق سعودي من البيئة الحاضنة لتنظيم "داعش" في المملكة، لذلك جاء تكثيف الجهود الامنية السعودية، لكشف الشبكات، ما ادى لإلقاء القبض على مئات المتورطين، والحبل على الجرار.
بالمقابل، في دمشق يهمّ القيادة السورية التواصل مع العواصم الوازنة التي لها دور في الحرب على سوريا. تجمدت فكرة الحل السياسي السوري المبني على حوار داخلي فقط. ربما يكون الحوار تجميليا لمواكبة تظهير التسوية الإقليمية-الدولية المرتقبة.
القيادة الروسية اطلعت الوفد السوري الذي كان زار موسكو برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم على استعداد الرياض لبحث اي طرح حول الوضع السوري بما فيه الحل بإدارة الرئيس بشار الاسد. فهم الروس خلال زيارة ولي ولي العهد -نجل الملك- الامير محمد بن سلمان، ان السعوديين سلموا أخيرا بضرورة التفاوض مع الاسد.
وصلت الأجواء الى دمشق. لا مشكلة سورية بالطبع، بإعتبار ان "عودة الآخرين" للتسليم بالواقع السوري هو انتصار للقيادة السورية. قيل ان القاهرة شجعت السعوديين على ضرورة التراجع عن طلب تنحي الاسد اولا.
اساسا التواصل بين مصر وسوريا لاح في المدة الاخيرة بهدف التعاون الأمني.
أرادت الرياض من خلال التحرك عبر موسكو إيصال رسالة للأميركيين حول القدرة السعودية للحركة دوليا بمعزل عن مباركة واشنطن. بالمقابل للسوريين مصلحة بفتح العلاقات مباشرة بينهم وبين العواصم الفاعلة.
كما يأتي تكثيف الحراك حول سوريا نتيجة القناعة الإقليمية بأن مشكلة العراق معقدة، ما يعني ترك الملف العراقي لتحديد مساره عبر نتائج المفاوضات الإيرانية-الاميركية، هذا ما سيحصل. ولاعتقاد السعوديين ان "داعش" يسيطر على مساحة وبيئة واسعة في العراق، ما يعني صعوبة مواجهة التنظيم والخشية من تمدده الى الأردن والسعودية بشكل متدرج سريع. كل ذلك يدفع للتفرغ للملف السوري اولا وفق الحلول التسووية ومواجهة تنظيم "داعش"، ثم البحث لاحقاً في الحصة السعودية في العراق.
لكن ماذا عن العلاقات السورية مع الأميركيين؟ هل تتبدل؟
مصلحة دمشق تقضي بالتواصل المباشر مع واشنطن لا عبر وسيط. هذا ممكن. سوريا اليوم تملك اكبر بنك معلومات عن خطط وتحركات "داعش" الإرهابي، التي يحتاجها الاميركيون، وسط حديث عن محاولات الربط بين سوريين وأميركيين.
الدول الأوروبية التي تتسابق اليوم الى طهران للحصول على استثمارات اقتصادية تسعى للحصول أيضاً على معلومات أمنية حول الارهاب.
انها المرحلة الجديدة المفتوحة على كل المسارات، وان كان خيار التسويات حان بين سوريا والآخرين وينتظر تسييل الاتفاق النووي وترجمة الخوف من الارهاب بصنع التحالفات العسكرية للمواجهة الموحّدة.
على خط الرياض-دمشق تُرصد مؤشرات، لم تتبلور بعد. وسيكون لبنان جزءا من تداعياتها.
كيف ستنعكس تلك التطورات في لبنان؟ وهل تسرّع بإنتخاب رئيس للجمهورية؟ ماذا يُحكى عن ارتفاع حظوظ النائب سليمان فرنجية؟ غداً في مقال مفصّل.