كلّ المؤشرات توحي أنّ "التسوية" ستكون العنوان "الدسِم" الأبرز للمرحلة المقبلة، على مختلف المستويات والصُّعُد، وفي أكثر من مكان...
هي خلاصة كرّسها بشكلٍ واضحٍ لا يحتمل اللبس الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، والذي مهّد بدوره لمعادلاتٍ جديدة لا تشبه تلك التي كانت سائدة قبله، وأعطى الضوء الأخضر لخلط الأوراق بكلّ ما للكلمة من معنى..
ولكنّ هذا الاتفاق وانعكاساته المحتملة جعل أكثر "المتحمّسين" للتسوية في الأمس القريب غير مستعجلين عليها اليوم، ومن هؤلاء قوى الرابع عشر من آذار في لبنان، التي باتت تشعر، ولأكثر من سبب، أنّ رياح أيّ تسوية في هذه المعركة لن تجري لا وفق مصالحها ولا حتى أهوائها!
"سابع المستحيلات" حصل!
من هنا، تنطلق مصادر سياسية مطلعة لتقول أنّ قوى الرابع عشر من آذار لا تبدو، بحسب ما توحي أجواؤها، مستعجلة على الولوج إلى تسوية على صعيد مختلف الأزمات العالقة على الصعيد اللبناني، خصوصاً أن الظروف الإقليمية والدولية لا تصبّ في مصلحتها، بعد التوقيع على الاتفاق النووي، الذي كانت هذه القوى تراهن على أنّه من "سابع المستحيلات"، والذي باتت تشعر أنّها متضرّرة منه شأنها في ذلك شأن المملكة العربية السعودية وإسرائيل، كونه سيزيد من قوة ونفوذ إيران في المنطقة، بعدما حوّلتها هذه الأطراف إلى "بعبع" و"فزّاعة" عن سابق تصوّر وتصميم.
وإذا كان المتحمّسون للاتفاق النووي كما المتضرّرون منه يتقاطعون على التأكيد على أنّ ما بعده ليس كما قبله، وأنّ نتائجه حكماً لن تصب في مصلحة قوى الرابع عشر من آذار، التي تضع نفسها في موقع العداء لطهران منذ سنوات طويلة، ومواقف بعض أركانها منه تؤكد هذا الأمر، فإنّ المصادر تلفت إلى أنّ الأوضاع في الميدان السوري لم تعد تصبّ كذلك الأمر في مصلحة هذه القوى، فالمناطق التي من المفترض أن يكون لها تداعيات على الوقائع المحلية باتت خارج سيطرة فصائل ومجموعات المعارضة السورية المسلحة، وبالتالي لم يعد من الوارد الرهان عليها أكثر، خصوصاً أن "حزب الله" كان العامل الأساس في حسم المعارك في المناطق الحدودية.
ولأنّ الأوضاع على الساحة اللبنانية ليست منفصلة عما يجري في المنطقة، لا سيما على الصعيد السوري، والعلاقة المستجدة بين القوى الغربية وإيران، بحسب ما تقول المصادر، فإنّ الخلاصة البديهية التي يقود إليها ما سبق هو أنّ الرياح في الفترة الأخيرة لم تجر كما يحلو لقوى الرابع عشر من آذار أن تتمنى، بل إنّها تجري بعكس تمنياتها بكلّ ما للكلمة من معنى.
فلتؤجَّل الحلول...
من وجهة نظر المصادر، فإنّ أيّ حلّ على المستوى اللبناني لا يمكن أن يغفل هذه المعطيات بأي شكل من الأشكال، ولذلك لا يبدو أنّ من مصلحة قوى الرابع عشر من آذار الإنتقال إلى مرحلة البحث عن حلول في هذا الوقت، لا بل من الأفضل لها الإنتظار بعض الوقت، على أمل أن تتبدل المعطيات لصالحها قليلاً، خصوصاً في ظل الإعتراضات التي تبديها جهات مختلفة على الإتفاق النووي، وفي ظلّ ما يُحكى عن "فترة اختبار" سيخضع لها الاتفاق وقد يسقط بنتيجتها.
من هنا، يسود حديث داخل أروقة هذا الفريق عن إمكانية الإنتظار إلى حين معرفة الإتجاه الذي ستسلكه الأمور، لا سيما لناحية الموقف السعودي أولاً، ولناحية إمكانية عودة الأمور إلى الوراء من خلال فشل الحوار عبر نجاح المعترضين الإقليميين في إفشاله، على حدّ ما تقول المصادر، التي تستبعد انطلاقاً من ذلك أن يُصار إلى حلحلة أيّ من الملفات العالقة في الداخل اللبناني في المرحلة المقبلة، لكون هذه القوى سترفض أيّ صيغةٍ تسووية تأتي على حسابها وعلى حساب مصالحها، وستجد أنّ الحفاظ على الستاتيكو القائم سيبقى أفضل بالنسبة إليها من الوقوع في المحظور.
بروباغندا وتضخيم!
لكنّ هذه المقاربة للأمور ترفضها مصادر محسوبة على قوى الرابع عشر من آذار، رغم إقرارها بأنّ "الدفة" قد لا تكون في هذه الأيام تميل عملياً باتجاه المحور الذي تنتمي إليه.
تشدّد هذه المصادر على أنّ "البروباغندا الإعلامية" التي اعتمدها حلفاء إيران في لبنان والمنطقة بعيد الاتفاق النووي كانت مضخَّمة ومبالَغًا بها إلى أبعد الحدود، بل إنّ بعض هؤلاء الحلفاء احتفلوا بالاتفاق وكأنّهم سجّلوا انتصاراً تاريخيًا غير مسبوق أو أنّهم أزالوا إسرائيل من الوجود، في حين أنّ القاصي والداني يعلم أنّ الجمهورية الإسلامية أصلاً قدّمت العديد من التنازلات للوصول إلى هذا الاتفاق. وتلفت إلى أنّ انعكاسات هذا الاتفاق على الساحة اللبنانية لن تكون في المدى المنظور، بل إنّ الكثير من المحللين يعتقدون أنّها لن تكون إيجابية في ضوء المؤشرات الأولية، و"فائض القوة" الذي شعر به البعض في قوى الثامن من آذار من دون خجلٍ ولا حَرَجٍ.
أما "التسوية" التي يكثر الحديث عنها، فتقول مصادر "14 آذار" أنّها معها اليوم قبل الغد، شرط أن تكون تسوية "صُنِعت في لبنان"، ووفق مبدأ "لا غالب ولا مغلوب" الذي لا يمكن للبنان أن يُبنى من دونه، وتوضح المصادر أنّها لا تزال على موقفها الثابت الرافض للرهان على المتغيّرات الخارجية، وهو ما أكده رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري في خطابه الرمضاني الأخير، وما يردّده باقي أفرقاء "14 آذار" بشكلٍ دائم، بعكس الفريق الآخر الذي لم يتردّد في تعطيل الاستحقاق الرئاسي وغيره من الاستحقاقات بانتظار متغيّرات خارجية ظنّ أنّها ستكون لصالحه، وتوهّم أنّها ستكون بطاقة عبوره إلى قصر بعبدا، وهو ما لا يمكن أن يحصل.
إلى الثلاجة دُرْ...
لم يتغيّر شيءٌ إذًا في الساحة الداخلية مع الاتفاق النووي. صحيح أنّ أسارير قوى الثامن من آذار "انفرجت"، وأسارير قوى الرابع عشر من آذار "تكهربت"، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ المعادلات الداخلية لم ولن تتأثر، طالما أنّ جميع المراقبين يستبعدون أيّ انعكاساتٍ لهذا الاتفاق داخلياً، أقلّه في المديين القصير والمتوسّط.
وإذا كان الرهان على الاتفاق النووي لترطيب الأجواء قد خاب، فإنّ اللبنانيين وضعوا رهاناً جديداً سريعاً نصب أعينهم، وهو الرهان على الاتفاق الإقليمي الإقليمي، وتحديداً السعودي الإيراني. وريثما ينضج هذا الاتفاق، فليبقَ لبنان في ثلاجة الانتظار، طالما أنّه لم يعد في سلّم أولويات الدول الكبرى!