لعل فحوى المداخلات التي قام بها وزراء 8 و14 آذار على حد سواء في الجلسة الحكومية الأخيرة والمسار الذي اتخذته النقاشات التي ظلت هادئة بالشكل ومتفجرة بالمضمون، كلها مؤشرات لمرحلة جديدة دخلتها البلاد سيكون عنوانها التصعيد السياسي والذي لن يكون مستبعدا أن ينعكس من خلال سيناريو استقالة الحكومة وتحولها الى تصريف الأعمال، وهو ما تقوم به اصلا.
ويبدو واضحا أن تأثيرات الاتفاق النووي الايراني بدأت تلفح لبنان. وبعكس ما كان البعض يتوقع، جاءت هذه التأثيرات سلبية وعلى شكل تصعيد سياسي ترعاه كل من ايران والمملكة العربية السعودية باعتبار ان علاقة القطبين البارزين في المنطقة تسير عكس علاقة طهران بواشنطن والدول الغربية. ومن المتوقع أن تتفاقم الأحوال في كل من اليمن والعراق وسوريا أمنيا، بالتوازي مع تفاقم الأوضاع السياسية على المستوى اللبناني ليبقى الأمن ممسوكا بقرار داخلي- اقليمي-دولي باعتبار أنّه ولأول مرة منذ عقود تتلاقى كل المصالح على وجوب الحفاظ على الاستقرار اللبناني الهش.
وحتى ولو كان رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون هو من يقود التصعيد حاليا على المستويين السياسي والشعبي، الا أن "حزب الله" يؤيد كل ما يقوم به الجنرال تحت سقف استمرارية الحكومة. وتشير المعطيات الى ان تيار "المستقبل" ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام قررا امساك الحزب باليد التي تؤلمه، من خلال التلويح الجدي بالاستقالة، وهو ما أبلغه سلام لعدد من الوزراء وللمسؤولين المعنيين في التيار الأزرق.
ويستمد رئيس الحكومة قدرته على التلويح باسقاط آخر المؤسسات الدستورية في البلد من قرار سعودي بالتصدي لايران في كل الساحات. وبما ان الساحة اللبنانية ممسوكة أمنيا، ستتخذ المواجهة بين طهران والرياض هنا طابعا سياسيا، وهو ما كان "حزب الله" يتجنبه طوال الفترة الماضية، بعدما أوكل العماد عون بالملفات السياسية الداخلية للانصراف الى انشغالاته العسكرية المتعددة خارج الأراضي اللبنانية.
ولن يتردد سلام ووزراء "المستقبل" بابتزاز "حزب الله" من خلال حثّه على الضغط على حليفه عون مقابل الحفاظ على استمرارية الحكومة. ولكن لا يبدو أن رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" بصدد الرضوخ لأي من هذه الضغوطات بعد اتخاذه قرار الفوز أو الانتحار، وهو ما أعلنه صراحة في اطلالته الاعلامية الأخيرة.
ويُدرك "حزب الله" أنّه سيخوض مرحلة جديدة من الاحراج لاقتناعه بتشبث العماد عون بشروطه ومطالبه. ولا شك أنّه بنهاية لعبة شد الحبال التي قد تحتدم خلال أيام، قد يقبل بالتضحية بالحكومة على أن يقبل بالتخلي عن حليفه المسيحي الذي تخلى عنه الجميع دون استثناء.
والأهم أنّ "حزب الله" مقتنع بوجوب استثمار مكاسب طهران من الاتفاق الذي وقعته مع الغرب في الداخل اللبناني، ولذلك هو لن يرضى على الاطلاق بأن يكون خاسرا في اي من المعارك السياسية التي يخوضها وحليفه وسيفضل من دون تفكير التضحية بمؤسسة جديدة غير فاعلة لعلمه بأن الحل المنشود سيكون باطار سلّة متكاملة قد تتضمن تعديلات أساسية بالنظام اللبناني.
بالمحصلة، وبالرغم من محاولة البعض اقناع الشعب اللبناني بأن الستاتيكو الذي تشهده البلاد يبقى أفضل وبألف مرة مما تعيشه الدول المحيطة، الا أن تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تجلّت بوضوح بأزمة النفايات التي لا تزال تُغرق العاصمة بيروت ومناطق جبل لبنان، يهدد بانفجار لن يتوقع المعنيون موقع وتوقيت انطلاق شرارته.