ايهما فجّر أزمة النفايات؟ هل هي الشركة التي قرّر وليد جنبلاط تأسيسها مع رياض الأسعد لمعالجة النفايات وفق تقنية الـRDF؟ أم هو الكباش الذي اندلع بين جنبلاط وميسرة سكّر على خلفية رغبة الأول في امتلاك 50% من أسهم شركة سوكلين والإمساك بإدارتها؟
«ميسرة أو تغرق بيروت والضواحي بالزبالة. القصّة قصّة الصندوق الأسود ونهايته». هكذا علّق رياض الأسعد (صاحب شركة الجنوب للإعمار) على أزمة النفايات على صفحته على الفايسبوك. توصيف الأسعد لأسباب الأزمة وأبعادها، مبنيّ على مضامين اللقاءات - التي يقول الأسعد إنه شارك فيها - والتي عُقدت منذ نحو سنة بطلب من النائب وليد جنبلاط بحثاً عن بدائل من مطمر الناعمة.
يتحدّث الأسعد عن سوكلين بوصفها الـ»operating system (نظام تشغيل) لشبكة مصالح متشعّبة ومتداخلة وراسخة ومتموّلة». ما لم ينشره الأسعد على صفحته هو ذاك «العرض الأخير» الذي قدّمه ميسرة سكّر (رئيس مجلس إدارة سوكلين) لجنبلاط لكي يخلي الساحة أمامه للفوز بمناقصة «بيروت والضاحيتين» وبسعر أعلى من السعر الحالي.
جنبلاط وسوكلين
يروي الأسعد أن منشأ أزمة النفايات الحالية يعود إلى الأسبوع الأول من كانون الثاني 2014. يومها عقد لقاء في منزل جنبلاط في بيروت حضره الأسعد والنائب أكرم شهيب ورئيس جمعية الصناعيين السابق نعمة افرام وناشط مدني من منطقة الجبل. الهدف كان «إيجاد السبل البديلة لمرحلة ما بعد إقفال مكب الناعمة في 17-1-2015». النقاشات تناولت واقع النفايات في لبنان وصفقة المحارق الفاسدة ونفخ قيمها المالية إلى 500 مليون دولار وتعقيد تقنياتها... كل ذلك ولّد قناعة لدى المجتمعين بأن الأمر ليس إلا وسيلة لضمان عودة سوكلين. في هذا اللقاء جرى عرض للمكبّات الواقعة على الشاطئ من رأس العين في صور إلى صيدا ثم منطقة الكوستا برافا، والزيتونة ــ السوليدير، إلى برج حمود... «إلا أنه كان واضحاً لدينا أننا سنصل إلى الربع الساعة الأخير ولن يكون هناك خيار إلا التجديد لسوكلين على قاعدة طمر النفايات بأعلى كلفة في العالم». وعلى هذا الأساس، يقول الأسعد، قام بإعداد دراسة تقنية جرى نقاشها في اللقاء الثاني. تضمنت هذه الدراسة عرضاً لواقع النفايات وللخطط الرسمية، وشملت أيضاً الحدّ الأدنى من المتطلبات البيئية التي تتيح «الانتقال من واقع الطمر والمكبات العشوائية المنتشرة على 670 موقعاً في لبنان منهم 300 في جنوب لبنان، إلى ما هو أفضل، أي تقنية الـRDF».
يتابع الاسعد روايته عن اللقاء الثاني، اذ «فاجأ جنبلاط الجميع بمعرفته بالـRDF وباستعماله عالمياً في معامل الاسمنت». يقول الاسعد انه زار بعض المعامل التي تستعمل هذه التقنية في البرتغال وفرنسا وتركيا وألمانيا والنروج ومصر وجنوب أفريقيا وإيطاليا وتونس والمغرب وقبرص... «في البرتغال ذهلت حين أبلغني مدير المصنع أن نسبة العوادم تراوح بين 5% و6% وأن هناك سعياً لخفضها إلى 4%. والمعمل لا صوت له ولا رائحة ولا حتى منظر مشين. الأهم أنه لا يوجد مكبّ، بل يمكن ردم العوادم في أي مقلع أو كسارة». ويتابع الاسعد قائلاً «ان فريقاً من شركة اسبانية اتى إلى لبنان وشرح الموضوع أمام جنبلاط»، وبالتالي «بات لدينا حلّ لمشكلة بيروت والجبل والضاحية، أي معامل للمعالجة والباقي يستعمل كوقود لمعمل الترابة»، يقول الاسعد.
وافق جنبلاط على هذه الخطّة، بحسب الاسعد، الا انه اشترط لاستعمال 100 الف متر مربع من الأرض التي يملكها في سبلين، «ألا يكون هناك روائح ولا صوت ولا منظر ولا غبار ولا مطمر». والاهم ان جنبلاط اشترط أن يكون شريكاً في الشركة، وأن يجري توظيف أولاد المنطقة للعمل فيها، وزراعة أكثر من 10 آلاف شجرة في موقع المعمل الذي سينشأ على ارتفاع 5 أمتار من مستوى الارض، وأن ينال الأمر موافقة أبناء المنطقة.
اشترط جنبلاط
أن يكون شريكاً في الشركة التي اقترح الأسعد تأسيسها
يوضح الاسعد ان الخطّة كانت تقضي بإنشاء شركة خاصة تنشئ معملاً للمعالجة وتبيع خدماتها إلى البلديات والدولة والشركات الخاصة على أن تذهب العوادم الناتجة من تقنية الـRDF إلى فرن اسمنت سبلين والأفران الأخرى، وأن تطرح أسهم هذه الشركة للعموم وأن تكون الشركة جاهزة لتدوير الدواليب والنفايات الطبية والنفايات الالكترونية وعوادم الاعمار وبقايا المسالخ، وأن تذهب 10% من أرباحها إلى صندوق بيئي».
ويتابع الاسعد: «للتوضيح لم يكن هناك أي مناقصة أو أي نيّة لدخول مناقصة، فقد جرى مسح الأرض وتحضير الخرائط التنفيذية ورحّب الممولون بالمشروع... إلا أن العقدة كانت عند سوكلين، إذ دخلت اللعبة الطائفية والمذهبية والمناطقية، فيما كان جنبلاط واضحاً لجهة رفضه أن تصبح قضية النفايات مشكلة درزية أو شيعية او سنية أو أن تصبح قضية إقليم الخروب والشوف. كذلك كان يرفض أن يتبنى أو أن يطرح أي مشروع أو حلّ من دون التشاور والتوافق مع نبيه بري وسعد الحريري». ولكن الخطة لم تمر، اذ ان «القصة مش قصّة ميسرة سكر، بل هي قصّة صندوق مالي أسود عظيم استُعمل مراراً في الانتخابات البلدية والنيابية من الجنوب إلى الشمال. ميسرة سكر عايز ومستغني، فيما الفرسان الباقون عايزين ومستعدين أن يجعلوا من بيروت والضواحي مزبلة، أصلاً عملوا البلد مزبلة من زمان مش رح توقف هون».
رواية سوكلين
هذه أجزاء من الوقائع عن مشروع جنبلاط ــ الأسعد للنفايات في بيروت والضواحي وعاليه والشوف، لكنها ليست الرواية نفسها لدى المحسوبين على سوكلين، وإن كانت هناك تقاطعات في بعض المعطيات. ففي رأي بعض المقربين من الشركة، تكمن القصّة في النتيجة التي توصل إليها جنبلاط بعد المشاكل المتكرّرة الناجمة عن مطمر الناعمة. ففي هذا الوضع، إن الضريبة التي تدفعها سوكلين سياسياً، لم تعد كافية، بل باتت هناك قناعة لدى جنبلاط بأن بإمكانه أن يكون مالك الشركة، وليس مستفيداً جانبياً منها. ويشير هؤلاء إلى أن جنبلاط فاوض سكّر على امتلاك 50% من أسهم سوكلين مقابل إبقاء مطمر الناعمة مفتوحاً. «ولقد أبلغ جنبلاط المرجعيات المعنية أنه ما دام هناك سوكلين لن يكون هناك مطمر الناعمة، وهو ما يوحي بأن المطمر يمكن أن يفتح في حال الاتفاق على الغاء سوكلين وإحلال شركة ثانية محلها»، بحسب المقربين من سكولين.
أما بالنسبة إلى الكباش الحاصل اليوم، والذي ولّد أزمة تراكم النفايات في الطرقات، فسببه هو رفض سكّر إدخال جنبلاط شريكاً ذا حصّة الغالبية لإدارة سوكلين والاستحواذ على آلياتها وتقنياتها وخبراتها... ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من خلال دفتر الشروط الذي وضعه مجلس الإنماء والإعمار والذي يترك عقدة إيجاد مطمر على عاتق الشركة، أي كأنه يقول للشركة إن عليها تقديم الطاعة للزعيم السياسي المسيطر على المنطقة من أجل الحصول على المطمر بكل ما يترتب على هذا الأمر من أثمان. هذا العيب الاساسي في المناقصة ألغى فرص الجميع بالفوز في المناقصة ولهذا السبب لم يتقدم أحد إليها.
وبالنسبة إلى عقدة سوكلين، فهي متصلة بالتركيبة التي حاول جنبلاط تكريسها مراراً، سواء من خلال الشركة التي سينشئها الأسعد، أو من خلال محاولة تقديم جهاد العرب على أنه البديل من سوكلين وهو أقرب أكثر من الباقين إلى سعد الحريري... المشكلة اليوم في التقسيمة الطائفية ــ المناطقية لمناقصات النفايات، أن لا أحد يعرف إلى أي كفّة يميل الحريري بين سكّر والعرب، ولا كيف يمكن أن ينتهي ابتزاز جنبلاط لتيار المستقبل.