من المعروف تاريخيا عناد الشعب الايراني وصبره في آن معاً واتقانه فن معالجة أموره على نار هادئة وقد تمتد لتنضج سنوات لا بل عقود. هذه الطباع ترجمها الإيراني في محافله الدولية وفي سياسته الممنهجة لبناء دولة عصرية ونووية بأقل من اربعين عاما منذ انتصار الثورة.
لقد تمكنت ايران من دخولها عالم الدول النووية باعتراف من مجلس الأمن والمجتمع الدولي، الا ان هذا المخاض كان عسيرا، حيث كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية واسرائيل... تسعى جاهدة للقضاء على مشروع إيران النووي منذ ولادته، فبدأت أزمة هذا الملف عندما انكشف امر الموقعين السريين في نظير وآراك وعثر مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2002 على آثار اليورانيوم المخصب. عندها حددوا لايران مهلة تنتهي في أيلول 2003، فجمدت ايران بعدها نشاطها النووي بتوقيع اتفاقية رعتها كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا في تشرين الثاني 2004. الى أن جاء الرئيس أحمدي نجاد وبدأ شد الحبال بين إيران والغرب، فاستأنف النشاط النووي ودعمت أميركا قرارا من مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران والذي سبقه عقوبات من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي حتى العام 2012 وقضى بتجميد أموال البنك المركزي الإيراني وفرض حظر نفظي عليها في تموز 2012.
انتهت ولاية احمدي نجاد وجاء المفاوض البارع حسن روحاني متلقفا دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتخطي ثلاثين عاماً من النزاع وبدأت المفاوضات الجديدة في 24 تشرين الثاني 2013 في جنيف حتى 14 تموز 2015، غايته من الجانب الغربي ألا يكون لبرنامج إيران النووي اي أهداف عسكرية، وغاية إيران بالمقابل رفع العقوبات الدولية عنها التي انهكت اقتصادها.
ولكن هل تقتصر غايات هذا الاتفاق عند هذا الحد، علما ان ما يحكم العلاقات بين الدول هي المصالح؟
في الباطن يظهر ان أميركا تعيش هاجساً مخيفا من المارد الصيني وتضع في أولوياتها الحفاظ على منطقة الباسيفيك أي آسيا والمحيط الهادئ، لهذا اتجهت أميركا نحو الدول المحيطة بالصين علها تنجح في بناء سد أمام التمدد الصيني، وهذا ما يدركه الإيراني فبقي يناور حتى النفس الأخير ساعيا لتعزيز نفوذه في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق، إلا ان الاميركي يحرص بنفس الوقت على حجب نفوذ إيران عن المنطقة المذكورة، ولكن كيف؟
قد يكون من خلال حد اميركا من دعمها للمعارضة السورية وترك سوريا لروسيا التي لا بد من التحالف معها للحد من التمدد الصيني ولكي ترضي اميركا إسرائيل بنفس الوقت المتخوفة من أثر السياسة الإيرانية في سوريا، خاصة أن الوجود الروسي في سوريا لا يهدد الأمن الإسرائيلي باعتبار ان روسيا صديقة لتل أبيب وهكذا تقطع اميركا الطريق أمام قوى الممانعة في لبنان.
هل سيكون ذلك مقدمة لقيام جنيف 3 تحت الرعاية الأميركية الروسية؟ ذلك ممكن ان نقرأه من بعد الاتصال الذي دار يين بوتين وأوباما للحديث عن سوريا خاصة أن روسيا تسعى لتحقيق مصالحها في سوريا وان تكون لها حصة الأسد دون أن تكون لإيران.
وماذا عن الأموال التي ستتدفق الى إيران بعد رفع العقوبات؟ هل ستعمل الدول الغربية على استنزافها في المشاريع المطروحة لتطوير حقول النفظ وتحديث البنى التحتية والطيران الايراني لحجبها عن حلفاء إيران الذين يهددون أمن إسرائيل في الدرجة الأولى؟ هذا ما سيتكشف عما قريب من خلال إعادة ترتيب وضع المنطقة حيث التسويات التي ستكون على حساب أطراف هذه الدول العظمى والتي استغلتها لتضغط من خلالها حتى تتمكن من تحقيق مصالحها في المنطقة.