مع دخول أزمة النفايات المنزلية الصلبة عتبة نصف الشهر، يلاحظ ازدياد حركة نابشي النفايات والجامعين المنتشرين في مختلف المناطق اللبنانية، مع تركز واضح في نطاق بيروت الكبرى. وفي وقت تغفل فيه الحكومة عن أهمية الدور الذي يقوم به هؤلاء، وتتركهم عرضة للاحتكار، فهي تدير الظهر أيضاً لدعم صناعة إعادة التدوير
يجمع نابشو النفايات يومياً قرابة طن من النفايات في مختلف المناطق اللبنانية ، بينها أكثر من طن في بيروت والضواحي، حيث الثقل الصناعي والتجاري الذي ينتج الكمية الاكبر من المواد القابلة لإعادة التدوير.
نفذت شركة «أركاديس»، بتكليف من مجلس الإنماء والإعمار، دراسة في عام 1999 حول واقع صناعة إعادة التدوير في لبنان وحجم المواد القابلة لإعادة التدوير والتصنيع وأنواعها، وكيفية جمعها، وأسعارها، في السوق السوداء والمصانع والخارج، وقدرة المصانع اللبنانية على الاستيعاب. ورغم صرف عشرات ملايين الدولارات من قبل وزارة البيئة على دراسات تتعلق بقطاع النفايات، لم تبادر الى تحديث هذه الدراسة وتطويرها بشكل يسمح بالاطلاع على واقع هذا القطاع بالتفصيل بعد مرور عاماً على الدراسة الاولى.
فاقمت أزمة النزوح السوري الى لبنان أزمة عمالة الاطفال التي رفدت قطاع جمع النفايات من المستوعبات بمئات الاطفال الذين يجري تشغيلهم في هذه المهنة الخطرة. وأمكن «الأخبار» رصد عدة تجمعات لأطفال دون سن الثامنة عشرة يعملون في جمع النفايات في الدورة وزقاق البلاط وأرض جلول وصبرا والدكوانة.
تتابع دراسة شركة «أركاديس» نشاط وأعمال أكثر من ألف عامل تجميع للمواد المفيدة من النفايات يطلق عليهم اسم Scavengers، وترصد أين يعملون وكيفية توزعهم مناطقياً، وتعدّ لائحة بأسمائهم وأسماء «أرباب العمل» الذين يشغلونهم، ومناطق التغطية. تقدر الدراسة عدد الذين يعملون في هذه الوظيفة بأربعة آلاف شخص تقريباً، وهم يصنّفون كعمال موسميين. ومن المؤكد أن عدد العاملين في هذا القطاع قد ارتفع خلال العقد الماضي وتوسع في عمله وطريقة الجمع؛ فالاطفال يستخدمون عربات صغيرة بدائية الصنع للجمع، والاكبر سناً يجرّون عربات أكبر شكلها يشبه بسطات الخضر، أما الاكثر تطوراً فيستخدمون دراجات نارية موصولة بصندوق كبير لجمع النفايات، وصولاً الى الذين يستخدمون شاحنات صغيرة ومتوسطة الحجم للجمع. ويبدو أن الفئة الأخيرة هي الأكثر سطوة، إذ يشترون من الجامعين الصغار نتاج يومهم بأسعار بخسة قبل أن يبيعوها في سوق الجملة.
يصل سعر كيلوغرام قناني البلاستيك الى ليرة لبنانية
يجمع نابشو النفايات البلاستيك والكرتون وقناني البلاستيك والزجاج والحديد وعلب التنك والنحاسيات والألومينيوم وبطاريات السيارات وكسر الحديد وعلب الحليب والأشرطة الكهربائية والستيروفان الناتج من تغليف الأدوات الكهربائية، إضافة الى دواليب السيارات، حيث نشأت في غضون الأعوام الثلاثة الماضية عدة مصانع لإعادة تدوير الدواليب.
وتتراوح كمية النفايات المعادة القابلة لإعادة التدوير، التي يجمعها نابش النفايات في اليوم ما بين 10 و15 كلغ من البلاستيك، وما بين 12 و15 كلغ من قناني المياه، و100 و150 كلغ من الكرتون. لكن اللافت أن أسعار المواد المعاد تصنيعها تخضع للعرض والطلب والاحتكار ولسعر السوق، إضافة الى خضوعها لاستغلال عمالة الاطفال الذين يتقاضون أجراً يومياً زهيداً بدل أن يتقاضوا السعر الحقيقي عن المواد التي جمعوها.
تحصل عملية البيع على مرحلتين: المرحلة الأولى هي التي تحصل فيها عملية البيع من الشخص الجامع لرب عمله أو المتعهد الكبير، ثم تأتي المرحلة الثانية التي يبيع فيها هذا الأخير المواد للمعمل أو لتاجر الخردة الذي يبيعها بدوره للخارج أو لمعامل معينة.
يؤكد شادي صادق من جمعية «الارض لبنان» لـ»الأخبار» أن السعر الرائج للمواد المعاد تدويرها هو على الشكل الآتي: كيلوغرام البلاستيك ليرة لبنانية (سعر المفرق)، أما سعر البيع بالجملة فيصل الى دولاراً للطن حسب نظافته. وسعر كيلوغرام قناني البلاستيك ليرة لبنانية (سعر المفرق) والطن دولار أميركي. أما الزجاج، فإن أعمال إعادة التدوير مقتصرة حالياً على الزجاج الابيض الذي يصل سعره الى دولاراً للطن، أما الزجاج الاخضر فليس هناك أي مصنع حالياً في لبنان يعمل على إعادة تدويره. ويصل سعر أغلفة النايلون الى دولار للطن، أما أكياس النايلون الخاصة بالتسوق فيصل سعرها الى دولار للطن. ويختلف سعر المعادن بحسب البورصة، لكن السعر المتوسط لطن الحديد دولار والألومنيوم دولار والنحاس آلاف دولار. أما التنك الناتج من المعلبات فيتراوح سعر الطن بين ــ دولار. وفي حين يصل سعر طن الورق المخلوط مع الكرتون الى دولاراً أميركياً، يمكن أن يصل سعر الورق الابيض النظيف الى قرابة دولاراً أميركياً.
ويؤكد صادق أن أسعار المواد المعاد تصنيعها، التي تفرز من المصدر وتسلم بطريقة سليمة الى الشركات والجمعيات البيئية الناشطة في هذا القطاع، بحيث تصل نظيفة تماماً الى مرحلة التصنيع، تباع بسعر أعلى من تلك التي تجمع من الحاويات.
يتقاضى الأطفال العاملون في نبش النفايات أجراً يومياً زهيداً
وهناك أيضاً ما تفرزه شركة «سوكلين»، في معملي الكرنتينا والعمروسية، حيث تظهر تقارير مجلس الانماء والاعمار أن محطتي الفرز في الكرنتينا والعمروسية تجمعان ما يقارب ألف طن من المواد القابلة للتدوير وإعادة التصنيع سنوياً، علماً بأن العقد يلزمها ببلوغ نسبة . من المواد القابلة للتدوير، وهي تدفع غرامات مالية مقابل عدم بلوغها هذه النسبة، لكنها في المقابل تبيع جميع المواد القابلة لإعادة التصنيع من دون أن تسترد الدولة قرشاً واحداً من هذه الاموال. ولقد طورت الشركة عدة تقنيات للاستفادة من هذه المواد، بما فيها الخشب الناتج بشكل أساسي من الاثاث المنزلي، حيث يجري طحنه وكبسه، وقد وزعت الشركة أطناناً منه للاستخدام في التدفئة على القرى المحيطة بمطمر الناعمة خلال الأعوام الماضية مجاناً.
ومن اللافت أن الحكومات المتعاقبة لم تقم بأي دور لتشجيع صناعة إعادة التصنيع التي تشهد تراجعاً دائماً في لبنان، بسبب غياب السياسات المتكاملة والدعم المطلوب، وذلك كون كلفة الطاقة المستعملة في إعادة التصنيع تساوي ضعفي كلفة الطاقة المستعملة في التصنيع الاولي، إضافة الى كلفة المعالجة قبل إعادة التصنيع كون المواد غير مفروزة جيداً، إضافة الى كلفة شراء المواد القابلة لإعادة التدوير. ولطالما كان مطلب هذا القطاع اعتبار إعادة التصنيع من ضمن الخطة العامة للدولة، ودعم القطاع عبر تخفيض سعر الكهرباء على سبيل المثال، والتحسين في عمليات الفرز، لتحسين نوعية المواد القابلة لإعادة التدوير وتوفير أكلاف معالجتها قبل إعادة تصنيعها.