الاتفاق الذي حصل في العام 1973 بين الرئىس السوري الراحل حافظ الاسد وبين وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية هنري كيسنجر، حمل في جوانبه غير المعلنة «تفاهمات» غامضة من معالمها، يومها كان اتساع الدور السوري وتمدده على الساحة اللبنانية بنوع خاص حتى انهائه من قبل الرئىس الاميركي السابق جورج بوش في العام 2005.
لا يخلو الاتفاق النووي بين مجموعة دول الست وبين الجمهورية الاسلامية الايرانية من جانب غير معلن له صلة بواقع منطقة الشرق الاوسط وازماتها على ما ينقل عن سفير الولايات المتحدة الاميركية في لبنان ديفيد هيل، وهو ما دلت عليه بوضوح «ساعات التأخير» في ايام التجاذب الاخيرة التي سبقت اعلان التفاهم قبيل توقيعه، من خلال التداول والتسريبات بأن ثمة جوانب سياسية لا تزال عالقة في اتفاق تقني ـ نووي الطابع في ظاهره.
ويكشف السفير هيل أن التفاهم السياسي غير المعلن بين دول الخمسة زائداً واحداً وبين طهران وبنوع خاص مع واشنطن، حمل تعهداً ايرانياً بالتعاون لتبريد ازمات المنطقة، وتطويقها، لا سيما ان لايران دوراً واضحاً ومباشراً على الساحة الاقليمية، فكانت الاولوية لدى كل من واشنطن وطهران انهاء الازمة اليمنية نظراً لما تحمل من تطمينات ورسائل ايجابية الى المملكة العربية السعودية، ولذلك فان الصراع اليمني قد سلك طريقه نحو بداية الحل.
لكن التبدل في الاولويات الذي يشير اليه الديبلوماسي الاميركي، يكمن في تراجع موقع الازمة اللبنانية من المصاف الثاني الى المصاف الثالث، بعدما كان مرتقباً ان يتم انهاء ازمة الفراغ الرئاسي بعد التقدم في اليمن، لكون الملف اللبناني لا يتضمن تعقيدات عسكرية ـ امنية على غرار المناطق الساخنة التي تشهد معارك ومجازر.
الا ان الازمة السورية التي كانت تلي الازمة اللبنانية، تقدمتها وتراجعت الأخيرة الى المصاف الثالث على حساب انتقال الملف السوري الى ما بعد الازمة اليمنية وحلوله ثانياً، وذلك حسب هيل على وقع اللقاء بين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبين مدير مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي المملوك في السعودية بتحضير روسي وتشجيع اميركي، بما من شأنه ان يفتح الباب امام تسوية في سوريا ام تفاهم بين القيادة السعودية وبين الرئيس بشار الاسد، يشكل مدخلاً لانهاء الصراع في سوريا، نظراً لحجم المأساة الانسانية وتهجير ملايين السوريين وترسيخ حضور تنظيم داعش وارتفاع درجة الخطر في كل الاتجاهات.
واذ كان المشهد الاولي للتسوية السورية غير واضح، لكن في الوقت نفسه يجب اسقاط خيار التقسيم نظراً لرفض تركيا ولادة الدولة العلوية ومدى تأثيرها على مجتمعها وتركيبتها بحيث قد يستسيغ «علويو» تركيا هذا الخيار ويرغبون بملاقاته، فان روسيا تبلغت من الجانب التركي تسهيلها لهذا الخيار، الذي لن يسمح به «العسكر التركي» الحريص على وحدة البلاد، لكن في الوقت ذاته لا يمكن اعتبار اللقاء محطة تأسيسية لتفاهم سعودي مع الاسد.
الا ان ما دفع بالسعودية للقبول بالوساطة الروسية لاستقبال المملوك هو ابعد من استمرار القنوات الامنية عاملة وناشطة بين الد الاعداء في اقصى مراحل الحرب بينهم مباشرة ام بالواسطة وفق ديبلوماسي عربي، بل لكون التفجيرات الارهابية التي شهدتها السعودية كانتقام منها لكونها تقود الحرب على الارهاب، جعلها تسعى للاستماع الى الموقف السوري وكيفية تعاطيه مع هذه الحالة الارهابية في ظل هذا الواقع من طبيعة الحرب القائمة بين النظام وبين معظم الفرقاء الآخرين، بينهم ممن لا تدعمهم السعودية بأي شكل من الاشكال لكون المضي في هذا الواقع سيحول جميع المعارضين نحو هذا التنظيم «الارهابي» الذي يهدد العالم بأجمعه والدين الاسلامي.
ولكن هل تحمل التفاهمات السياسية في الاتفاق النووي انحسارا لقوة فريق سياسي لبناني على آخر في ظل تواصل الفرقاء مع القوى الاقليمية.
في منطق الاوساط الديبلوماسية المواكبة لمسار التفاهم السياسي - النووي بين واشنطن وبين طهران، قراءة مفادها، أن الساحة اللبنانية لا تتحمّل تقدم فريق آخر او انتصار محور مذهبي على محور مذهبي مقابل، لكن دخول ايران على خط تبريد الازمات والمساهمة في بداية الحلول، ستظهر معالمه في الأشهر المقبلة. كما ان التفاهم الاساسي الذي سعى اليه الرئيس الأميركي باراك اوباما، وايضا لا يمكن اعلانه من قبل الجانبين، يكمن في انه لا يستطيع ان يقبل باتفاق مع ايران لا يؤمن مباشرة من خلال القيود على تخصيبها اليورانيوم وغير مباشرة من خلال توقفها عن مدّ حلفائها بأدوات ووسائل القتال ضد اسرائيل ومنها ما فاض بواقعه على الساحتين اللبنانية والسورية بحيث سيؤدي تراجعها عن دعم حلفائها وفي مقدمهم «حزب الله» بالسلاح، الى تقدم العمل السياسي والخيارات الديموقراطية على حساب الحلول المفروضة، بحيث تعاد التوازنات الى الساحة الداخلية ولو بعد سنوات من خلال الاستحقاقات النيابية.. والتي قد يسبقها حالياً الانتخاب الرئاسي المفترض ان يتم قبل نهاية العام...