الحرب على النائب ميشال عون مستعرة. يُمنع على الجنرال تحقيق أي إنجاز او تحصيل أي حق. الرجل الذي أتى من خارج نظام ما بعد الطائف، يُراد له أن يبقى مهزوماً من أركان «الجمهورية الثانية». في الإدارة كما في المشاريع التي يقترحها تكتل التغيير والإصلاح، يُحظر نسب أي إنجاز إلى العونيين. لمصلحة من تُشن الحرب على عون؟

بثقة تامة، ومن دون أي لبس، يتحدّث سياسي بارز في تيار آل الحريري عن وجود قرار إقليمي ودولي بكسر العماد ميشال عون. المطلوب عدم السماح له بتحقيق أي فوز أو إنجاز، وصولاً إلى الإجهاز، سياسياً، عليه. لا يحتاج متابع المشهد السياسي إلى دليل على وجود هذا القرار. المؤشرات عليه أكثر من أن تُحصى.

في الكهرباء، فرض تكتل التغيير قبل 5 اعوام على «الدولة» ان تستعيد دورها في الاستثمار في إنتاج الطاقة.

المعادلة بسيطة و«بدائية». عدد سكان لبنان يتزايد، وطلبهم على الطاقة الكهربائية يرتفع. الحل الطبيعي، كما في أي مكان في العالم، يقضي بزيادة الانتاج. أي، دفع أموال لبناء محطات لتوليد الكهرباء. منذ عهد الرئيس رفيق الحريري بعد عام 2000، توقفت الدولة عن الاستثمار في إنتاج الطاقة. ثمة هدف واضح للحريرية، اسمه الخصخصة. يُراد بيع مؤسسة كهرباء لبنان «المفلسة» والمديونة والخاسرة بألف ليرة لبنانية فقط لا غير. والخطة تقضي بتيئيس اللبنانيين من وضع «كهرباء الدولة» واضطرارهم إلى دفع فاتورتي كهرباء، ليصبح خيار الخصخصة مقبولاً من الجميع، على قاعدة ان أي خيار هو أفضل من الواقع المرير والمزمن. المعركة التي خاضها عون، عبر الوزير جبران باسيل، في حكومتي الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، كانت تقضي برفع الانتاج، وبإصلاح عملية التوزيع وتحديثها.

إقامة معمل في دير عمار (يكفي لإضافة نحو 5 ساعات تغذية يومياً لكل المناطق اللبنانية)، وإعادة تأهيل معملي الذوق والجية المتهالكين. وعملية تأهيلهما هي أقرب إلى إعادة بنائهما من جديد منها إلى عمليات الصيانة التي لم تعد مجدية. تُضاف إلى ذلك خطة لتركيب عدادات «ذكية» في المنازل والمعامل والمكاتب والمؤسسات، تسمح لمؤسسة الكهرباء بتحسين الجباية، وبتوزيع أفضل يؤدي إلى توفير نسبة تصل إلى نحو 30 في المئة من الطاقة في لبنان. لو ان معمل دير عمار ينتج الكهرباء، والعدادات الذكية موجودة حيث يجب أن تكون، لكان بمقدور اللبنانيين ان ينعموا بالطاقة لـ24 ساعة في اليوم، إلا في حالات الطوارئ. قرر الحريريون مواجهة مشروع التكتل. لم تُترك فرية إلا ورميت في وجه باسيل. الفساد والعمولات والسرقة و... تهم في الهواء، لكنها تعلق في أذهان الناس. بقيت تهم بلا أي دليل، برغم ان الرئيس السابق للجمهورية، وميقاتي، كانا يجهدان طوال وجودهما في السلطة للعثور على بيّنة واحدة تعزز هذه الاتهامات، لكن لا دليل ولا بيّنة ولا حتى شبح سند. لم يكتفوا بالاتهامات. أخّروا صدور قانون تمويل مشروع انتاج الطاقة قدر استطاعتهم. ولم يصدر (عام 2011) إلا بعدما اوصل عون الائتلاف الحكومي إلى حافة الهاوية. ثم انتقلوا إلى التصويب على مشروع استقدام باخرتين لتوليد الطاقة. دور الباخرتين هو التعويض عن خروج معملي الذوق والجية من الخدمة زمن صيانتهما. ببساطة، دورهما دعم الشبكة، ومنع الانهيار التام. يُدرك الحريريون ذلك. لا بديل عن الباخرتين.

برغم ذلك، صمموا على عرقلة كل خطوة في هذا المشروع. كانوا يدركون ان ما يصرّ عليه تكتل التغيير والإصلاح يؤدي عملياً إلى حل الأزمة المزمنة التي يعانيها اللبنانيون. أحد اللاعبين الكبار في السياسة قال حينها، بصراحة لزميله الحريريّ، إن حل أزمة الكهرباء «إنجاز كبير جداً. هو أكبر من ان نمنحه لجبران باسيل».

هي النكاية إذاً. نكاية تدفع رئيس بلدية ذوق مكايل، نهاد نوفل، إلى منع بدء الاعمال في إعادة تأهيل المعمل الواقع في نطاق بلديته، بذريعة عدم حصول مؤسسة كهرباء لبنان على ترخيص من البلدية بالأعمال التي ستنفذها. الترخيص غير موجود منذ إقامة المعمل في ثمانينات القرن الماضي. وسبق أن أصدرت حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 2002 مرسوماً يسمح بإرجاء تحصيل الاذونات والتراخيص القانونية، إلى ما بعد المباشرة بالأشغال التي تحمل صفة «المصلحة العامة». برغم ذلك، أشغال إعادة تاهيل معمل الذوق معطلة. بند آخر عرقل تنفيذ خطة باسيل. كل إضراب للمياومين (المظلومين الذين يمثلون الحلقة الأضعف في نظام الإدارة العامة) كان يؤخر تطبيق بند «مقدمي الخدمات»، وخاتمته «العدادات الذكية»، أشهراً تصل إلى نحو السنة الكاملة.

وكل إضراب كان ينتهي بتسوية سياسية مع «عرّابهم» الرئيس نبيه بري. واللافت أن «حلف الحليف» لم يشفع لعون. وزير المال علي حسن خليل يرفض دفع الاموال المخصصة لتمويل إنشاء معمل دير عمار، بسبب التباس يراه في النص القانوني، بشأن وجوب تسديد ضريبة القيمة المضافة. صدر من ديوان المحاسبة قراران متناقضان لتفسير «الالتباس»، لكن الحال واحد.الشركة المتعهدة لا تتلقى الأموال اللازمة لبدء تنفيذ بناء المعمل. كل ما سبق يجري تحت عنوان واحد: يُمنع على ميشال عون تحقيق إنجاز يقدّمه للبنانيين. والمطلوب، أن تبقى الاتهامات في الهواء: جبران باسيل هو المذنب. الوزراء الذين سبقوه اوصلوا قطاع الطاقة إلى حالته المأسوية التي يرزح الشعب بأكلمه تحتها. الوزراء هم المسؤولون. لا ذنب لرفيق الحريري. يكاد ورثته السياسيون يقولون إنه كان شاهد زور في الحكومات التي ألّفها. القطاع «مضروب». الدولة عاجزة عن إدارته. ولا حل سوى ببيعه، بدولار واحد، او بألف ليرة فقط لا غير، لشركات تدل على هوية مالكها سوابق السوق الحرة وسوكلين والمرفأ ومرفأ طرابلس وأوجيرو والخلوي و...

يوم امس امتدت الحرب على عون إلى قطاع الاتصالات. شركة اوراسكوم المصرية تتولى منذ اكثر من 6 سنوات إدارة واحدة من شركتي الهاتف الخلوي (المعروفة بـ»ألفا»). ضُبط احد مديريها في لبنان بشبهة الميول العونية. والاتصالات احد مناجم لبنان. يُمنع على العونيين الاقتراب منه. أقصيت الشركة من المناقصة، لان الموعد النهائي للحصول على دفاتر الشروط كان الحادي والثلاثين من تموز.

وفي اليوم المذكور، تقدّمت الشركة بطلب للحصول على دفتر شروط من لجنة المناقصات. مديرها مروان حايك دفع رسم تسلّم الدفتر، وحصل في المقابل على إيصال، وعلى محضر رسمي، وشرب فنجان قهوة في اللجنة. الوزير بطرس حرب أعلن امس ان الشركة مستبعدة. لماذا؟ كان عليها التقدم من اللجنة قبل الساعة الرابعة من بعد ظهر ذلك اليوم. هذا التوقيت لم يُذكر في الإعلان. بقي سراً لم يُكشَف إلا بعد تسلّم دفتر الشروط. أقصيت الشركة. العنوان السياسي نفسه: المطلوب كسر ميشال عون. تماماً كما في النفط. حرام على اللبنانيين ان يستفيدوا من الثورة الكامنة في بحرهم وبرهم، طالما أن هذه الاستفادة تقيهم «ذل السؤال والمكرمات» الخليجية، وطالما ان لميشال عون نصيبا في الدفع باتجاه وضع قطار التنقيب عن النفط على سكته.

في التعيينات، العنوان عينه: يُحظر على ميشال عون تحصيل أي «حق» من «الحقوق». للحريرية ان تمارس سياسة «المقاطعجية» في قوى الامن الداخلي، وفي مجلس الإنماء والإعمار، وفي المحافظات، وفي الهيئات السبعين التابعة لرئاسة الحكومة. وفي التعيينات أيضاً برز «التقاطع» بين بري والحريرية. وقف حليف حليف عون سداً منيعاً في وجه مطالبه بتعيين قائد جديد للجيش، ولو تحت شعار رفض الفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية. ثم اتى موقف رئيس المجلس بسقف سياسي أعلى من سقف الحريريين: «لن أنتخب ميشال عون، إلا إذا...». دور الشريك الثالث في مواجهة عون، النائب وليد جنبلاط، ساطع أيضاً. الحوار بين الرابية وكليمنصو لم يحرر النائب الشوفي من «عقدته» التاريخية: كل زعيم ماروني قوي خصم لزعيم المختارة، ويجب منعه من تسييل قوته في «دولة» ما بعد الطائف التي شارك جنبلاط في وضع أركانها المعوّجة.

«ورث» رفيق الحريري رموز المارونية السياسية: قصر بشارة الخوري في القنطاري، بعض أرض ريمون إدة في البقاع، قصر كميل شمعون في السعديات... املاك بعض رموز «استقلال 43»، فيما قرر ورثته وضع اليد على «التركة» الإدارية والسياسية للمارونية السياسية: ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم.