تتشارك النفايات في الشارع والنفايات في الحُكم بالإساءة للبنان وشعبه، ولو خُيِّر اللبنانيون بين نفايات الشارع ونفايات الحكم، رغم أضرارها ومناظرها البشعة والمكدسة في الشوارع، أما نفايات الحكم فأضرارها أكثر بكثير، لأن من في الحكم يسيء للبنان، بدءاً من مخالفة الدستور وتقويض المؤسسات ونشر ثقافة الفساد والرشوة، وليس انتهاء بالإثراء غير المشروع.
ربما يكون علينا واجب "الشكر" للنفايات المكدسة في المدن والبلدات والقرى والمناطق، فهذه الآفات وحّدت اللبنانيين من الطوائف والمذاهب والأحزاب الطائفية وعابرة الطوائف، وجميع الناس، وهو أمر لم تحققه حتى اليوم كل الحكومات منذ عام 1943 حتى اليوم، لذلك فإن حركة الاحتجاج هذه على النفايات ومسببيها ليست كافية لترجمة شعور الجماهير وطموحاتها ومصالحها، فحركة الاحتجاج التي تقوم بها - مشكورة - جمعيات تحت شعار "طلعت ريحتكن" لا تكفي وحدها لتشكّل قوة تغييرية، فينبغي رفدها بتوسعة الاحتجاجات والمطالب والمصالح، ومشاركة الجماهير، أي جموع اللبنانيين، ليكون الاحتجاج على الإهمال في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصاية والاجتماعية عاماً وشاملاً.
نحن في هذا لا ننشد الثورة، بل نطالب بحق الشعب اللبناني المشروع في نظام سياسي يعمل من أجل لبنان، فننشد مجرد التغيير في نظام الحكم الطائفي، ونحن لا ندعو الشعب إلى ثورة عنف، لأننا ندرك أن لكل بلد ثورة، ولكل ثورة أسلوباً وأسباباً مباشرة وغير مباشرة. ينبغي أن تكون مسألة النفايات في الشوارع سبباً غير مباشر للثورة السلمية في لبنان، والتي تهدف إلى كنس نفايات الحكم التي جثمت على صدور اللبنانيين منذ عام 1943.
نطالب أنفسنا والجماهير اللبنانية برفد حراك "طلعت ريحتكن"، وأن ننزل إلى الشارع للمطالبة بحقوقنا المشروعة، لتسقط هذه الطبقة السياسية التي تتناسل منذ الاستقلال، معتمدة على نظام طائفي يقسّم اللبنانيين، فقد سبق للبنان أن أعلن عصياناً وإضراباً عاماً عام 1952 لمدة ثلاثة أيام، فكانت ثورة صامتة، وبالتالي ثورة الموقف، وهي التي أسقطت رئيس الجمهورية بشارة خوري آنذاك، رغم أنه كان يستند في حكمه لأغلبية نيابية كبيرة.
فلتكن الشعارات موحَّدة تطالب نفايات في الحكم بالرحيل، وباستعمال الطناجر والطبول وهتاف "ارحلوا.. ارحلوا.. ارحلوا".