قد يكون من وجهة نظر الكثيرين أن من المصادفة في مكان، أن يأتي تصريح رئيس الأركان الأميركي المنتهية ولايته الجنرال ​ريموند اوديرنو​ عن تقسيم ​العراق​، بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع الألمانية عن اعتقادها بأن قوات البشمركة التابعة لاقليم كردستان تعرضت لهجوم بأسلحة كيميائية، من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن العودة بالأحداث العراقية إلى العام 2003 تكشف بعض الخفايا، لا سيما لناحية الترابط بين المعلومات الإستخبارية الأميركية والألمانية.

خلال الأحداث السورية، ظهرت الإتهامات باستخدام ​الجيش السوري​ هذا النوع من الأسلحة، في سياق حملة كان من المفترض أن تؤدي إلى تدخل دولي في الحرب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لكن المبادرة التي قادتها الحكومة الروسية، في ظل التهديد بالرد على أي حرب على دمشق، والتي ترجمت من خلال إسقاط الأسلحة الدفاعية الروسية صاروخاً بالستياً إسرائيلياً في البحر المتوسط، نجحت في منع تفاقم الأمور أكثر، عبر الإتفاق على نزع الأسلحة الكيميائية السورية برعاية الأمم المتحدة، بالرغم من أن بعض الأوساط الدبلوماسية العربية والإقليمية ذهبت إلى تحديد موعد أول ضربة ستوجهها الطائرات الأميركية.

وفي حين كانت أجواء المنطقة، في الأيام القليلة الماضية، توحي بأن هناك تسوية كبرى يجري الإعداد لها في أروقة صنع القرار الدولي، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن عودة التصعيد في مختلف الملفات لا تأتي من فراغ، لا سيما لناحية توجيه الإتهامات إلى "داعش" و"حزب الله"، وتعتبر أن من الضروري مراقبة السياق الذي ستسلكه في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أن أغلب الجهات الفاعلة بدأت تطرح مشاريعها المستقبلية بصورة علنية.

من هذا المنطلق، تعتبر هذه المصادر أن الحديث عن إستخدام "داعش" للأسلحة الكيميائية في العراق، من قبل وزارة الدفاع الألمانية، قد يكون الباب الأساس لتدويل الأزمة، حتى ولو كان التنظيم الإرهابي أقدم على هذا الفعل، وتشير إلى أن دوره لا ينفصل عن المشروع المُعد لتقسيم المنطقة، وفقاً لخرائط متعددة باتت تطرح في مراكز الأبحاث الدولية منذ فترة طويلة، وتشدد على أن هذا الأمر بات واضحاً، نظراً إلى أن العمليات الكبرى التي يقوم بها تتزامن بشكل واضح مع الإستراتيجيات السياسية التي تكون بحاجة إلى جرعة من الدعم.

وتشير المصادر نفسها إلى أن نظرية التدويل هذه، مرتبطة إلى حد بعيد بالحجة التي قدمها وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول لغزو العراق في العام 2003، حيث رفع الصور التي تزعم إمتلاك نظام الرئيس السابق صدام حسين أسلحة دمار شامل في الأمم المتحدة، بناء على معلومات من المخابرات الألمانية نفسها، ليعود بعد سنوات لتقديم الإعتذار كون المعلومات التي أدلى بها لم تكن صحيحة، لكن حينها كان عشرات الآلاف من الضحايا قد سقطوا، وكانت الولايات المتحدة قد غرقت في المستنقع العراقي، وتحولت بلاد الرافدين بشكل غير ملتبس إلى مركز أول لتنظيم "القاعدة"، بعد الهجمات التي حصلت في أفغانستان، وتضيف: "المنطقة لا تزال تدفع ثمن ذلك حتى هذا اليوم".

على صعيد متصل، تشدد المصادر السياسية المطلعة على أن الحديث الأميركي عن تقسيم العراق كـ"حل"، ليس وليد ساعته، بل طرح في السنوات الأخيرة في مناسبات عدة، لا سيما على لسان نائب الرئيس جو بايدن، من خلال التأكيد بأن بلاده تريد عراقاً فدرالياً، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف عقدت المؤتمرات في واشنطن، وقدم مشروع قانون في الكونغرس يسمح بتقديم الأسلحة إلى العشائر العراقية وإقليم كردستان، من دون المرور بالحكومة المركزية، في خطوة لا يمكن أن تفسر إلا في سبيل تكريس التقسيم عبر فرضه أمراً واقعاً.

وفي حين لا تقوم معظم الحكومات المركزية في المنطقة بالخطوات العملية، التي تمنع تطبيق هذا المشروع لاحقاً، تبدو موجة التحريض الطائفي والمذهبي والعرقي مساعدة له، علمًا أنّ التدويل، بحجة مكافحة الإرهاب الذي تخطى الخطوط الحمراء، سيقود حتماً إلى التقسيم، الذي سيكون النتيجة النهائية لمشهد الفوضى الدماوي الطاغي، أو على الأقل إلى مجموعة كبيرة من المتغيرات في دساتير الدول، تكرس توزيع الصلاحيات والثروات على الأسس الطائفية والعرقية، الأمر الذي سيعرضها لحروب أهلية متكررة بين الحين والآخر، وهنا الطامة الكبرى..