جسّد شاب فلسطيني حالة فريدة في التضامن مع الأسرى ومعاناتهم داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، خاصة الأسرى المضربين عن الطعام بسبب اعتقالهم الإداري "من دون تهمة"، من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي.
وفي مشهد مؤثر، تجوّل الفلسطيني أحمد جراد وهو ناشط شبابي، في أكبر شوارع قطاع غزة اكتظاظاً وهو شارع عمار المختار، وارتدى الزّي البرتقالي "وهو زي الإعدام المتعارف عليه" للفت انتباه المارة وسلاسلَ تقيدُ الأيدي والأقدام، وسار معصوب العينين حافي القدمين، ووضع أنبوباً طبّيًا حول جسده موصولًا بالأنف، ولافتة معلقةً أعلى صدره كتب عليها "الأسير محمد علان"(1)، في محاكاة لحالة الأسير علان المضرب عن الطعام في سجون الاحتلال لليوم الـ63 على التوالي، والذي يعاني من إهمال طبي متعمد وظروف صحية حرجة، في وقت تسود مخاوف من استشهاده في أي لحظة نظراً لفقدانه الوعي وحالته الصحية المتردية(2).
لفت نظر وأكثر..
وفي حديث إلى "النشرة"، أوضح جراد، وهو طالب في كلية الإعلام بغزة، إنه حاول إيصال المعلومة للجمهور الفلسطيني بشكل غير تقليدي من خلال هذه الخطوة، وبعيداً عن الشاشات والأخبار التي أصبح ينفر منها المواطن الفلسطيني خصوصاً في غزة، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها سيما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
وأشار جراد إلى أنه لجأ إلى هذه الطريقة للتعريف بالمعاناة الكبيرة التي يتعرض لها الأسير الفلسطيني محمد علاّن في سجون الاحتلال، وللفت المجتمع المحلي والجهات الرسمية والدولية لما يتعرض له أسرانا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد جراد أنّ الفكرة جاءت بشكل شخصي من دون تدخل أحد، إذ قام بتجهيز كل ما يلزم لها لتطبيقها بمفرده، مضيفاً: "عرضت فكرتي على بعض الأصحاب فوجدت منهم التشجيع والتحفيز وهذا ما شجعني لتنفيذها بأسرع وقت".
وأشار إلى أنّ الدافع للعمل هو ضعف الاهتمام بقضية الأسرى الفلسطينيين، وعدم الحراك الشبابي والتفاعل الشعبي مع قضية إضراب الأسير محمد علان، وتسليط الضوء عليها.
وقال جراد، "إن الهدف من ذلك تعزيز روح المناصرة لأسرانا الأبطال والتذكير بآلام أكثر من 6500 أسير فلسطيني يقبعون في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي".
نحن معك..
"العالم كله صامت تجاه الأسرى، ونحن معك"، كلمات قالها أحد المواطنين الفلسطينيين بعد أن أوقف الناشط جراد وهو يسير في شارع عمر المختار الرئيسي وسط مدينة غزة، حيث لاقت هذه الفكرة ردود أفعال متفاوتة، فالبعض عبّر عن استغرابه، والبعض الآخر شجع.
وقال له المواطن: "للأسف العالم كله صامت تجاه الأسرى، لكننا نحن معك" في حديث وكأنه موجه للأسير محمد علان، مضيفاً: "علينا كفلسطينيين أن نخرج في اعتصامات حاشدة في مختلف الساحات وألا نصمت على معاناة آلاف الأسرى في سجون الاحتلال".
وقد رد عليه جراد بالقول: "أنا بموت والذين سبقوني ماتوا" في إشارة للأسرى الذين تعرضوا للإهمال الطبي في سجون الاحتلال وتوفوا داخل الأسر.
وشدّد جراد على ضرورة الاستمرار بمساندة الأسرى الفلسطينيين بكافة الأشكال والوسائل المتاحة، وعدم الصمت تجاه ما يتعرضون له، إذ أن التضامن معهم واجب وطني على الجميع الالتزام به.
انتهاك للقوانين..
وفي نفس السياق، قام محاميان فلسطينيان من غزة، بإغلاق مكتبهما ووقف كافة المعاملات القانونية تضامناً مع الأسير المحامي محمد علان.
وفي حديث لـ "النشرة"، اعتبر المحاميان حازم عفانة، وحسن عفانة، أن هذا "أقل ما يمكن فعله للتضامن ومساندة الأسرى في سجون الاحتلال، الذين يتعرضون لأبشع صنوف التعذيب، ويعيشون ظروفاً صعبة سواء في التحقيق أو مراكز الاعتقال".
وأوضح المحاميان الفلسطينيان، أن "إسرائيل" تنتهك كافة القوانين والمواثيق الدولية في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين، سواء من خلال الاستمرار في سياسة الاعتقال الإداري التي اعتقل فيها الأسير علان وغيره من الأسرى، أو من خلال ممارسات مصلحة السجون الإسرائيلية تجاههم.
وأضاف المحاميان: "يجب على الجميع مساندة الأسرى بكل ما هو متاح، ومن غير المعقول حالة الصمت العربي والدولي تجاه ما يتعرضون له داخل الأسر".
في النهاية، تبقى كلّ هذه الأساليب مجرّد محاولات من قبل الفلسطينيين للفت النظر لمعاناة أسراهم في السجون الإسرائيليّة، لفت نظرٍ لا يبدو أنه سيحقق غاياته في المدى المنظور، لأنّ هناك من لا يريد أن يرى بكلّ بساطة...
(1)اعتقل الأسير علان الذي ينحدر من بلدة "عينابوس" جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، في 16 تشرين الثاني 2014، ليحول إلى الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر، وعند انتهائها جدد الاحتلال اعتقاله لستة أشهر أخرى، ليعلن البدء بإضراب مفتوح عن الطعام في 16 حزيران الماضي، رافعا شعار: "إما الحرية أو الشهادة".
(2)يخوض الأسير علان إضراباَ مفتوحاً عن الطعام منذ 63 يوما احتجاجاَ على اعتقاله الإداري، ويرقد حاليا في غرفة العناية المكثفة بمستشفى "برزلاي" بعسقلان تحت الخطر الشديد، ورفضت سلطات الاحتلال بالأمس إدخال طبيب فلسطيني عليه لمعاينته، ومن المقرر أن تنظر المحكمة الإسرائيلية العليا اليوم في قضيته.