لم تمضِ أشهر على مقتل الطفل منير حزينة "بجريمة مقصودة" خلال عملية اطلاق نار عشوائي. "جريمة" عن سابق تصور وتصميم يبدو انها لن تكون الاخيرة وهذا ليس حكما قضائيا ولا ملخص التحقيق الذي لم يحصل يومها، بل هو رأي اغلب الذين سمعوا بالحادثة، فإطلاق الرصاص حزنا او ابتهاجا لم يعد حدثا بسيطا قد يؤدي الى نتائج سيئة، بل هو فعل جرمي يعرف من يقوم به بأنه سيقتل أناساً او يجرحهم وبأبسط الاحوال سيؤذي ممتلكات المواطنين الآمنين.
وفاة الطفل منير اخذت حيزا واسعا من التداول، ولكنه لم يكن الاول في لائحة ضحايا الرصاص "غير الطائش" لأن مطلقه يعلم طريقه جيدا. أكثر من ذلك لم يعد يكتفي هؤلاء "الرعاع" بالرصاص للتعبير عن مشاعرهم، فقذيفة " بي 7" دخلت الى اللعبة، واصبحت الموضة الرائجة اليوم، فمن المفرقعات البسيطة الى القذائف الصاروخية، والقادم قد يكون اعظم بحال بقي الوضع على ما هو عليه.
يرى المدير التعليمي في حوزة الثقلين الدينية الشيخ حسين شمص ان ظاهرة اطلاق الرصاص في المناسبات هي سمة موجودة لدى كل اللبنانيين في كل المناطق ومن كل الطوائف وبكل المناسبات سواء الحزينة ام السعيدة، داعيا الى ضرورة دراسة هذه الآفة بشكل معمق ودقيق لان لها عدة جوانب واسباب قد تكون نفسية لها علاقة بالاوضاع الاقتصادية والامنية والاجتماعية للبنانيين.
القانون يعاقب بالسجن والدين يحرّم!
في السياق القانوني لما يترتب على اطلاق الرصاص بالمناسبات يشير مصدر قضائي لـ"النشرة" الى ان المادة 75 من المرسوم الاشتراعي رقم 137 صادر في 12/6/1959، والمعدلة وفقا للقانون الصادر بتاريخ 29/3/1966، تحدد عقوبة هؤلاء اذ تنص على ان "كل من اقدم على اطلاق النار في الاماكن الآهلة او في حشد من الناس، من سلاح مرخص او غير مرخص به، يعاقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسمئة ليرة الى الف ليرة لبنانية او باحدى هاتين العقوبتين".
ويضيف المصدر: "أما في حال نتج عن الفعل أذى قد يصل الى حالة القتل كما حصل منذ ايام فعندها يتم اللجوء الى المادة 564 من قانون العقوبات اللبناني التي تنص على ان "من تسبب بموت احد عن اهمال او قلة احتراز او عدم مراعاة القوانين عوقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات".
ويلفت المصدر النظر الى ان القتل في مثل هذه الحالات يندرج في سياق القتل غير المتعمد، رغم الحديث عن معرفة مطلق الرصاص بأن فعله هذا قد يؤدي الى القتل.
من جهته يؤكد الشيخ شمص ان العلماء بأجمعهم متفقون على ان اي فعل وبأي وسيلة كانت يسبب ضررا او ازعاجا للاخرين هو حرام. ويضيف "ان استعمال المفرقعات او الرصاص بين الناس هو حرام شرعا يشكل معصية لله سبحانه وتعالى، فمن يطلق الرصاص بين الناس ويؤدي ذلك الى قتل او جرح او ضرر مادي، يكون قد ارتكب معصية وذنب، بالاضافة الى ان فعله هذا يعني ان عليه واجب دفع "دية" المقتول، او المجروح، او تصليح الاضرار التي تقع".
القوى الامنية تتحرك عندما تعلم بالفعل!
يشير مصدر أمني لـ"النشرة" الى اهمية اطلاق حملات التوعية لحل معضلة اطلاق الرصاص. ويقول: "الحل الاول لا يكون قانونيا اذ ان مطلقي الرصاص يشكلون جزءا كبيرا من المجتمع وليست حالات فردية، وبالتالي فإن اساس المشكل هو العادات المتجذرة في عقول هؤلاء والتي تتيح لهم اطلاق الرصاص في المناسبات للتعبير عن مشاعرهم".
ويضيف: "نحن كقوى امنية نتابع مطلقي الرصاص عندما نعلم بهم او بحال وصلتنا شكوى عنهم"، مشددا على ان هذا الفعل الجرمي يلاحق من قبل القضاء العسكري ويعاقب عليه القانون.
الحلول شبه مستحيلة
كذلك يبرز عند معالجة هذه المسألة الشق النفسي، فإطلاق الرصاص في المناسبات أضحى "ثقافة" سائدة بحد ذاتها، وهنا يعتبر الاختصاصي في علم النفس العيادي نبيل خوري أن اطلاق النار بالمناسبات موجود منذ 50 عاما في لبنان، إذ كان يفتخر الرجل بوجود قطعة سلاح في منزله ويعلم اطفاله ما كان يسميه "رياضة الصيد"، فالامر جزء من المنظومة الفكرية لدى الشعب اللبناني التي تميل فطريا نحو العنف. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "كرست الحرب المنظومة العنفية الموجودة بتفكير اللبناني، وارخت بثقلها على المجتمع، فإطلاق الرصاص هو أولا تعبير عن الوجود، ثانيا هو محاولة للاثبات للاخرين اننا في الفرح نفرح لاقصى درجة وفي الاحزان نحزن لاقصى درجة، وثالثا الرغبة في الضوضاء والضجة.
يرى خوري ان الحل صعب جدا، لان في لبنان فلا مشكلة أُوجد لها حل منذ استقلال لبنان حتى اليوم وكل القوانين الصادرة في لبنان تبدأ وتتوقف سريعا. ويضيف: "كذلك فإن الحل في بلد لا يعرف كيف يصل الى حلول هو صعب جدا لان الطوائف والمذاهب تتدخل في كل أمر فمن يستطيع منع اللبناني من اقتناء سلاح في منزله؟"
ويرى خوري ان الحل هو جذري عام كأن تكون الانظمة قاسية دكتاتورية لزج "الزعران بالسجون" وتطبيق القانون بالقوة فإذا لم تكن القوانين صارمة وقاسية فلن نصل لمكان، معتبرا ان "الدكتاتورية تصنع المؤسسات".
من جهته يحمّل الشيخ شمص في حديثه لـ"النشرة"، الدولة بالدرجة الاولى المسؤولية عن هذه الافة، كونها صاحبة السلطة والنظام، مشيرا الى ان المجتمع ايضا عليه مسؤولية تجاه هذه القضية وبالتالي فإن دراسة هذه العادة كفيلة بتبيان وجوهها وطرق حلها.
لا ينمّ هذا النوع من الافعال سوى عن تخلف وجهل، وهو يساهم بتقديم صورة سوداء عن المجتمعات التي "اعتادت" على هذه الآفة التي تؤدي الى القتل. دور رجال الدين والاهل اساسي للتوعية، انما دور السلطات الامنية اساسي أكثر، اذ ان سجن من يطلق الرصاص قد يعلّم البعض، لربما تكون العقوبة رادعة في هذه الحالة.
تصوير تلفزيوني يورغو رحال