كما هي حال مُختلف القطاعات والميادين في لبنان، يُواجه قطاع الخدمة المَنزليّة مشاكل بالجملة، نتيجة إقتصار دور الدولة والسلطات الرسميّة على بعض الشكليّات، وبفعل فوضى مكاتب إستقدام مُدبّرات المنازل من الخارج، وبسبب سوء تعامل اللبنانيّين مع العاملات بهذا القطاع. وقبل التوقّف عند أبرز هذه المشاكل، لا بُد من الإشارة إلى أنّه في لبنان، بإمكان أيّ شخص التوجّه إلى مكتب إستقدام "الخدم" أو "العمالة الأجنبيّة" كما يُسمّونها، وتصفّح لوائح خاصة بالمُتقدّمين لهذا العمل، مع تقسيم عرقي وديني وطبقي مُهين، حيث أنّ الكلفة الأعلى يدفعها من يرغب باستقدام عاملة من الفليبين(1)، تليها العاملات من إثيوبيا، وصولاً إلى العاملات من بنغلاديش، إلخ. وإضافة إلى الصور المتاحة، وبعض المعلومات عن العمر والمستوى العلمي والخبرة المِهنيّة يُمكن إختيار عاملة تتحدّث اللغة الفرنسية أو الإنكليزية، او عاملة مسيحية أو مُسلمة، إلى ما هناك من "مُواصفات" تجعل هذه العاملات أقرب إلى سلع معروضة للبيع على رفوف أحد المتاجر، منه إلى "مُدبّرات منزل". حتى أنّ بعض أصحاب مكاتب إستقدام العاملات، ينشر إعلانات مهينة على غرار تقديم تنازلات على هذه العاملة أو تلك من هذه الدولة أو تلك!
وبالنسبة إلى المشاكل الناجمة من فوضى إستقدام العاملات إلى لبنان، والتي تحصل في جزء من البيوت وليس في كلّها بطبيعة الحال، فأبرزها:
أوّلاً: تعرّض العاملات للإهانة بشكل واسع، وفي بعض الحالات للضرب وحتى للتعذيب مع تسجيل بعض حالات التحرّش الجنسي والإغتصاب، بموازاة إحتجاز "جواز السفر" من قبل المُستخدمين، ومنع يوم العطلة عن العاملات، ومنع أيّ تواصل إجتماعي لهنّ. وتصل وقاحة البعض إلى حد إحتجاز الراتب المُستحقّ، وإبتزاز العاملة المعنيّة فيه.
ثانياً: تحويل "مُدبّرة المنزل" من مساعدة لسيّدة المنزل في تدبير شؤون البيت-كما يُفترض أن تكون، إلى عاملة نظافة ومُربّية وطبّاخة وحتى إلى عاملة متعدّدة الوظائف (Passe-Partout) تُلقى عليها مَهمّات يُفترض أن تكون مخصّصة للرجال أو لعمّال مُتخصّصين.
ثالثاً: عدم تحديد أيّ شروط للعمل، وأي توقيت زمني، وأي يوم عطلة، وكأنّ العاملة المنزليّة هي "عبدة" لمُستخدميها، بحيث تعمل بشكل مُتواصل "من الفجر للنجر"-بحسب القول الشائع، علماً أنّ يوم العطلة المُفترض يتحوّل إلى عمل مضاعف ومضنٍ بسبب دعوات الغداء والعشاء التي يشتهر بها اللبنانيّون.
في المقابل، إنّ فوضى إستقدام العاملات الأجنبيّات، وإكتفاء السلطات الرسميّة اللبنانية بكشف طبّي سريع وبتقاضي الرسوم المالية، جعل منازل اللبنانيّين مُشرّعة على أشخاص مجهولي الأصل والنسب والماضي ومدى الإتزان الخلقي ومدى الإلتزام الأخلاقي، إلخ. الأمر الذي شرّع البيوت الآمنة لكثير من اللبنانيّين على الكثير من الإرتكابات. وفي هذا السياق، يُمكن تسجيل ما يلي:
أوّلاً: قيام العديد من العاملات بسرقات سرّية مُنظّمة، خاصة قُبيل إنتهاء عقد عملهم، لتسهيل تهريب المسروقات إلى الخارج.
ثانياً: قيام بعض العاملات باستغلال وجودهنّ في المنازل من دون أيّ رقيب في كثير من الحالات، لتسهيل دخول الغرباء والأصدقاء على أنواعهم، ما يُشكّل إساءة أمانة بالغة بحقّ مالكي المنزل وتعدّياً على حرمة البيت، مع كل ما يُرافق ذلك من إرتكابات.
ثالثاً: تصرّف بعض العاملات بعدائيّة تجاه المُستخدمين، إنطلاقاً من عقد التفاوت الطبقي والإجتماعي، وتعمّد البعض الآخر القيام بأعمال إستفزازيّة أو عشوائيّة، لدفع المُستخدمين لفسخ عقد العمل وترحيلهنّ إلى بلادهنّ بمجرّد أن يرغبوا بذلك.
رابعاً: قيام بعض العاملات بالتعامل بقسوة مع الأطفال الذين يُتركون بعهدتهنّ، مع تسجيل بعض حالات الضرب والعنف وصولاً إلى القتل، وهي أعمال تتجاوز سوء الأمانة لتصل إلى مرحلة الإنحلال الأخلاقي الكامل.
وفي الختام، لا بُد من التذكير بأنّ العاملات اللواتي يتمّ إستقدامهنّ إلى لبنان للعمل في البيوت هُنّ في النهاية "مُدبّرات منازل"، والتعاطي معهنّ يجب أن يتمّ من هذا المنطلق، مع كل ما يقتضيه هذا الأمر من حقوق ومن واجبات يُفترض أن تكون مُعمّمة ومفروضة من الدولة، ومُطبّقة من العمال ومستخدميهم، مع ضرورة وجود قضاء مُختصّ وقوانين واضحة للفصل بينهما، كما في كل القطاعات. وإذا كان صحيحاً أنّ على العاملات اللواتي يأتمنهنّ اللبنانيّون على عائلاتهم وعلى أرواح أولادهم وأطفالهم، أن يلتزموا بما عليهنّ تنفيذه من واجبات بكل أمانة وصدق، فإنّ الأصحّ أنّ عصر "العبوديّة" قد ولّى منذ زمن بعيد، ومن المعيب أن يبقى جزء كبير من اللبنانيّين يتعامل مع "مُدبّرات المنازل" وكأنّهن "عبيدٌ" يملكونهنّ بحفنة من الدولارات شهرياً!
(1) على الرغم من الحظر الذي فرضته الفليبين على عمل مواطنيها في لبنان، لا يزال من الممكن إستقدام عاملات من الفيليبين عبر طرق وأساليب مختلفة.