لا تزال حركة "أحرار الشام" مستمرة في مشروع تلميع صورتها السياسية، بعد رفض جبهة "النصرة" الإرهابية، المدعومة من قبل الحكومتين القطرية والتركية، الدخول فيه، لكن اللافت هذه المرة هو دخول فرع جماعة "الإخوان المسلمين" السوري على الخط، من خلال الإعلان عن وجود قواسم مشتركة وأرض خصبة للتعاون بين الجماعة السياسية والحركة.
وفي حين لا تزال الخلافات تعصف بأركان الحركة، بسبب التحول الكبير الذي تمر به، والذي من الممكن أن يكون له نتائج خطيرة على كيانها، ذهب المراقب العام لـ"الإخوان المسلمين" في سوريا محمد حكمت بعيداً، من خلال الحديث عن وجود "إمكانية التكامل السياسي والعسكري بين الجانبين".
وفي هذا السياق، أعلنت الحركة مؤخراً عن نيتها تشكيل "جيش نظامي"، ونفت وجود أي علاقة تنظيمية لها مع تنظيم "القاعدة" الإرهابي، في وقت تعد أبرز حلفاء فرع التنظيم السوري، أي "النصرة"، على أرض الواقع، من خلال الإشتراك معه في تأليف غرف عمليات "جيش الفتح" في أكثر من منطقة، لا سيما في محافظة إدلب التي شهدت تبدلاً نوعياً في مشهده نتيجة هذا التحالف، الذي بُني بالتعاون بين الدوحة وأنقرة بشكل أساس، من خلال تقديم مختلف أنواع الدعم العسكري والمادي.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، تربط مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، بين المواقف التي تصدرها الحركة في الفترة الأخيرة، والسعي التركي لبناء منطقة عازلة في الأراضي السورية، والذي ترجم من خلال إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن اكتمال المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن حملة مشتركة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في شمال سوريا.
وتشير هذه المصادر إلى أن الحركة في مواقفها الأخيرة، أول من أمس، أرسلت رسالة واضحة إلى واشنطن، التي كان المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجيتها جون كيربي أعرب عن قلقها من ارتباطات "أحرار الشام" مع جماعات متشددة، من خلال نفي أي علاقة تنظيمية لها مع "القاعدة"، بعد أن كان وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية قد أكد في أكثر من مناسبة أن بلاده قدمت دعماً لها.
وفي حين تظهر بعض الخلافات في صفوف الحركة حول الموقف من المنطقة التركية العازلة، توضح المصادر أنّ العمل على معالجتها يكمن في إعادة الهيكلة التي تعمل عليها "أحرار الشام"، خصوصاً أن قرار قيادتها المركزية واضح بمنع تكرار أخطاء "النصرة"، لا سيما أن الأجواء في المنطقة توحي بأن أغلب القوى الإقليمية والدولية ستكون موحدة في الفترة المقبلة، تحت عنوان: "مكافحة الإرهاب"، الأمر الذي يعني تصنيفها بـ"المعادية" بدل أن تكون "صديقة" كما هو الواقع حالياً.
على صعيد متصل، تشدد هذه المصادر على أن تركيا تعتمد على الحركة لتكون قواتها البرية، في الحرب التي تنوي خوضها ضد قوات "حماية الشعب الكردي"، وتلفت إلى أن "أحرار الشام" لديها مواقف معادية من القوات الكردية، عبر إتهامها بتهجير السكان العرب من المناطق التي تسيطر عليها، بالرغم من أن أنقرة سوف تحمل لواء محاربة "داعش" على المستوى العلني لعدم إستفزاز واشنطن، وتضيف: "بعد ذلك من الممكن أن تقع الصدامات بين الفصائل المدعومة من تركيا و"قوات حماية الشعب"، لأن التعاون في ما بينها من المستحيلات".
بالنسبة إلى هذه المصادر، الأبرز في كل ما حصل هو موقف "الإخوان المسلمين"، التي كانت قد افتتحت أول مكتب لها في حلب، منذ أكثر من عام، في مناطق تقع خارج سيطرة الحكومة السورية، بعد غياب معلن لها عن البلاد منذ عقود، وترى أن الجماعة، التي تدور في الفلك التركي القطري، تريد على ما يبدو أن تكون في واجهة المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، وتؤكد أن هذه الخطوة تحظى بتشجيع كل من أنقرة والدوحة، بالرغم من تأكيد مكتبها الإعلامي عدم وجود نية لديها بالتكامل مع الحركة، موضحة أن المقصود التكامل ما بين السياسي والعسكري بشكل عام دون تخصيص فصيل من الفصائل.
في سياق متصل، توضح المصادر المطلعة أن هذه الخطوة سوف تعيد خلط بعض الأوراق، حيث لا تزال الحكومة السورية على موقفها الرافض لأي تعاون مع الجماعة، في حين تفضلها الحكومة الإيرانية (التي خاضت مفاوضات فاشلة معها حول الأوضاع في مدينة الزبداني) على باقي الفصائل والكتائب، خصوصاً تلك التي تدور في الفلك السعودي، أما الحكومة المصرية، التي تبدي إنفتاحاً على التعاون الأمني مع دمشق، فهي تعتبرها من المنظمات الإرهابية، إلا أن الموقف السعودي سيكون هو الأكثر تأثيراً، بالرغم من أنه لا يزال غامضاً بعض الشيء مع تفضيلها عدم دعم "الإخوان المسلمين".
في المحصلة، باتت الأوضاع في الشمال السوري أكثر وضوحاً، "أحرار الشام" ستكون الركيزة العسكرية، بالتنسق مع "الإخوان المسلمين" التي ستشكل الذراع السياسية، لكن هل تنجح هذه الخطة في كسب المزيد من الدعم لها أم ستفشل نتيجة تضارب وجهات النظر المحلية والإقليمية، لا سيما أن هذا الأمر سيضع الحركة في مواجهة مفتوحة مع "داعش" و"النصرة"؟