لن يجاري "حزب الله" رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بلعبة الشارع التي قرر اعتمادها مجددا يوم الجمعة المقبل بالرغم من خساراته المتتالية في هذا المجال مؤخرًا. فالحزب الذي قرّر السير يدًا بيد مع عون في السراء والضراء في معاركه السياسية حتى ولو لم يكن مقتنعًا تمامًا ببعضها لرد بعض "جمائل" الحليف المسيحي، لن يستطيع أن يكمل المسيرة معه في الشارع لأكثر من اعتبار ولعدة أسباب يدركها الجنرال تمامًا ويتفهّمها.
فكيف يشرح قياديو الحزب لجماهيرهم الغفيرة أنّ السبب الموجِب للجوئهم الى الشارع هو تحقيق الشراكة المسيحية، في الوقت الذي يخوض فيه أبناؤهم أشرس وأعتى المعارك على الأراضي السورية وغيرها من الاراضي كما على الحدود اللبنانية في "مواجهة الارهاب والتكفير"؟ أي محفزات يعطون عوائل لا تزال تبكي أبناء سقطوا في معركة وصفها أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله بـ"الوجودية" لكي يشاركوا بتظاهرة يوم الجمعة لرد جميل عون؟
يدرك هؤلاء أنّه ومهما حاولوا تضخيم القضية الداخلية لتحفيز جماهيرهم، ستبقى "عابرة وصغيرة" أمام القضية الاقليمية التي تبنّاها "حزب الله"، لذلك لن يبذلوا الكثير من الجهود في هذا الاطار، وسيتركون بحسب المعلومات الخيار لمناصريهم بالانضمام الى الجماهير البرتقالية في ساحة الشهداء من دون اصدار أي تعميم لهذه الغاية، علمًا انّهم يعلمون أيضًا أنّ الكثيرين لن يترددوا بالمشاركة في التحرك العوني المرتقب.
ويعتبر "حزب الله" أنّ جرّه الى الشارع في هذه الأوقات أشبه بنصب فخ له، لذلك لم يُقْدِم عون يومًا على الطلب من قيادة الحزب بدعمه جماهيريًا. وتقول مصادر معنية في هذا الاطار: "حزب الله لن يلجأ الى الشارع للضغط باتجاه تحقيق مطالب يعي تمامًا أنّه قادر على تحقيقها من خلال تسوية سياسية بدأت تطل برأسها ولو متأخرة".
أما العناوين الكبرى التي يرفعها المجتمع المدني في حراكه وأبرزها "استقالة الحكومة" و"اسقاط النظام" و"حل مجلس النواب" فهي "رنانة وجميلة" بالنسبة للحزب لكنّها لا تناسب المرحلة كي يتبناها ويدفع باتجاهها، "فالمعطيات الحالية الاقليمية والدولية لا توحي بامكانية حصول تغييرات كبيرة تطيح بالمشهد اللبناني الحالي لصالح مشهد جديد طال انتظاره"، بحسب المصادر.
وينظر الحزب باعجاب الى القرار الذي اتخذه عون بتحدّي نفسه مجددا من خلال تحديد موعد لتظاهرة كبيرة لجمهوره مباشرة بعد التظاهرة الحاشدة المتوقعة للمجتمع المدني، ما سيسمح بسهولة لاتمام مقارنة بين أعداد الطرفين خاصة وأن محاولات عون الأخيرة بالحشد لم تكن موفقة لضعف التنظيم.
لكن تيار عون يعد لتحرك يوم الجمعة بطريقة مختلفة هذه المرة، فالدعوة الى التظاهر صدرت من أعلى مرجعية بالتيار وبشكل مباشر، والتاريخ حدد قبل أسبوع تماما، كما ان الاستعدادات انطلقت وبشكل مكثف على ان تزداد وتيرتها مع مرور الأيام لضمان مشاركة كل العونيين دون استثناء مع العمل على تسهيل وصولهم من المناطق اللبنانية كافة.
بالمحصلة، ها هو الشارع اللبناني وبعد طول انتظار استعاد المبادرة وعاد ينبض ليحدد المسار الذي ستسلكه البلاد في المرحلة المقبلة بعد أن ترك اللبنانيون مصيرهم في السنوات الماضية لطبقة سياسية أمعنت بفسادها وبـ"تطييف" قضاياهم حتى ارتبط مصيرها بمصير النفايات!