بعد السبت، صار من الضروري مراقبة الحراك بطريقة مختلفة. الثقة التي فوّضها قسم من اللبنانيين إلى المجموعات التي رعت التظاهرات ليست من النوع الذي يستخدمه نوابنا. وبالتالي، إن آلية المحاسبة ستكون دقيقة وقوية. وكل احتجاج من الشبان الناشطين، سيكون مؤشراً خطيراً يجب التصدي له، إذ إن الاجتماعات الداخلية لهذه المجموعات، بدأت تكشف عن نزعات تدعو إلى القلق، خصوصاً أن المعطيات حول مواقف جهات خارجية، واندفاع بعض رعاة «الربيع العربي» المشؤوم نحو «مد اليد» للمساعدة، من شأنه إثارة الذعر وليس القلق.
وصار من البديهي القول إن الحركات الصبيانية التي تظهر عند البعض، لا مكان لها بعد اليوم. وهي لا تتعلق بقول أو كلمة أو شعار، بل بطريقة قيادة وتفكير. وأنكى ما في الأمر، أن يخرج علينا من يقول: هذه ثورتنا ولا تتدخلوا بالأمر!
ملاحظات هادئة بعد يومين من مراقبة ردود الفعل، وآلية الاستعداد لدى القوى التي تريد أن تضم حراك بيروت إلى نادي الربيع العربي. وأساس الأمر الآتي:
ــــ سعي حثيث من مجموعة تتصل، مع الأسف، بالإعلام النفطي والغازي الذي ينشط هذه الأيام على جبهات جديدة لتكريس مقولة «كلن يعني كلن». وهذا التعميم ليس هدفه محاسبة فريق الفاسدين، بل تعميم تهمة الفساد والسرقة لتشمل كل من له علاقة بإدارة البلاد. والمقصود هنا، بالتحديد، المقاومة. وقد صار من الواضح أن المجموعة ــــ شبه الموجودة على الأرض ـــــ هي التي تقف خلف إضافة شخصية السيد حسن نصرالله إلى لائحة الفاسدين في البلاد. علماً بأن هذه المجموعة، ومعها كل أيتام 14 آذار، وخصوصاً يساريي النفط والغاز، الهرمين منهم والشباب، يستبدلون الهجوم على التركيبة الأساسية في البلاد، بانتقاد وزراء وشخصيات يعرفون أنها مجرد واجهات ليس إلا.
ــــ بحجة العمل القطاعي، ناشطون ممن يفترض بهم نشر سيرهم الذاتية سريعاً (أين تعلموا وأين أجروا دورات عمل، ومع أي مؤسسات دولية عملوا، وما هي الأعمال التي شاركوا فيها، ومن أين يحصلون على مداخيلهم... وهي أمور ضرورية لمن يريد أن يتصدى للشأن العام)، يصرّون على رفض أو معاندة الدخول المباشر في المطلب السياسي الذي يشكل قاعدة منطقية لأي حراك جدي في لبنان. وهو المطلب الذي سيصب في الدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة، ووفق قانون جديد يؤمن التمثيل الأقرب إلى الحقيقة، وهو قانون النسبية. عند هذا الحد، يصبح من المستغرب أن يخرج ناشط مثل مروان معلوف، غير مبال بنوعية قانون الانتخابات المفترض اعتماده.
ــــ استمرار النظرة الاستعلائية، أو الطبقية ــــ وفق تعريفات الرفيق عامر محسن ــــ عند كتلة تقدمها وسائل الإعلام كعناصر قيادية في التحرك. وهي نظرة، لا تزال تعتبر أن لمشاركة الطبقات الفقيرة والمتضررة خطراً على أصل التحرك. وهؤلاء يظهرون سذاجة غير مسبوقة، عندما يعتقدون أن نقل التحرك من رياض الصلح إلى ساحة الشهداء، يمكن أن يوفر له حصانة وحافزية شعبية إضافية. إلا إذا كان أيتام 14 آذار يصرون على الوصل بين «ثورة الأرز الأميركي» وبين ما يحصل حالياً. وهؤلاء مشكلتهم أنهم عملوا على التنظير لسنوات، وفي معرض دفاعهم عن الثورات العربية، بأن الاحتجاجات ليس لها منشأ أو هدف سياسي، بل هي للمطالبة بالحريات والعيش الكريم فقط. ثم أفادونا لاحقاً بأن سيطرة التيار التكفيري على الحراك المدني والمسلح، إنما جرت بدعم من الأنظمة الحاكمة، من دون أن يشرح لنا هؤلاء لماذا أهملت كل الثورات العربية قضية فلسطين، وصار أركانها أبرز أعداء المقاومة للعدو.
ــــ وجبت ملاحظة أمر أساسي يتعلق بدور وسائل الإعلام. عندما تدعم جريدتا «النهار» ولوريون لوجور»، ومعهما «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، ثم قناة الـ»مر. تي. في»، فقناة «الجديد»، «النسخة المدنية - السلمية» من الحراك، نعرف أننا في مكان خطأ. ومن يعتقد أن وجود قوى سياسية تاريخية في الساحة أمر معيب، وأن تولي هذه الوسائل التي عاشت ولا تزال على فتات السرقات التي تقوم بها السلطات الحاكمة منذ خمسين سنة، هو مصدر اعتزاز، ساعتئذ نكون في المربع الخطأ. وساعتها، وجب رفع الصوت اعتراضاً، رضي من رضي وغضب من يغضب.
ــــ من الأكيد، أن وسائل إعلامية قامت وعاشت بدعم من الولايات المتحدة وسوريا والسعودية وكبار الفاسدين عندنا، هي شريك أصلي في المصيبة. ومن الأكيد أن حشداً من الإعلاميين و»المثقفين» هم أيضاً من أصل البلاء، ولا يمكن اعتبارهم شركاء على الإطلاق في ثورة ضد الفساد. لقد كان مشهد المتظاهرين رائعاً جداً، لولا انضمام أيتام 14 آذار، من بقايا اليسار المترف، الذي صار خادماً عند أهل النفط والغاز، والذي توهم كتبته أنهم يقودون التغيير الديموقراطي والعلماني، لينتهي بهم الأمر في مقاهي ومؤسسات المجتمع المدني الممولة من الاستخبارات الأميركية بفروعها كافة، من دون أن ننسى أن لبعضهم نائباً منضوياً في كتلة «المستقبل»، عنوان الفساد في لبنان. هذه العيّنة من البشر، هم الشبيحة، وهم فعلياً، الهم والغم والدم الثقيل. أما زينة الساحات، وزينة التظاهرات، فهم بالتأكيد فتية الخندق الغميق.
في انتظار ما سيفيدنا به القائمون على الحراك بالنسبة إلى برنامج الأيام المقبلة، سيكون المرء منا في حالة استنفار لحماية الفكرة الأصلية التي تقول إن الناس تريد مواجهة مصيرية مع السارقين المعروفين بالاسم والموقع. وهم أبناء الشراكة الأميركية ــــ السورية ــــ السعودية التي حكمت لبنان منذ عام 1990. وكل من انضم إليهم شريكاً كاملاً. وسنكون في حالة استنفار لمنع بعض الأولاد من إحباط تجربة، إذا ما قُدِّر لها السير في الطريق الصحيح، ستعيد الأمل ببناء دولة تليق بنا!