جاءت الرسالة التي أصدرتها محكمة دينية يهودية(1)، والتي وجّهتها إلى البابا فرنسيس، لتكشف عن مدى العنصرية التي تتبناها "إسرائيل" وحكومتها اليمينية المتطرفة تجاه المسيحيين في العالم والحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، بحيث أظهرت حجم الفكر الأيديولوجي المتطرف على المستوى المحلي والدولي، حتى وصل الأمر بالدولة المحتلة إلى التعدي على رأس هرم المسيحيين في العالم.
ورغم أن مختصين وقانونيين قلّلوا من إمكانية أن تأخذ هذه الرسالة مجراها قانونياً، رأى آخرون أنها تُعَدّ اهانة لقداسة البابا فرنسيس، في الوقت الذي اعترف فيه بالدولة الفلسطينية ودافع عن حقوق الشعب الفلسطيني المضطهد.
ويحتوي مضمون الرسالة على الكثير من الادعاءات الكاذبة حول تاريخ فلسطين وسلب مقدرات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في وطنه، إضافة إلى نكران أية حقوق لغير اليهود في فلسطين.
عنصرية وأيدولوجية
ويعتبر الأمين العام للتجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة ديمتري دلياني أن هذا التوجه يعكس الأيدولوجية التي تقوم عليها "إسرائيل" وحكومة بنيامين نتانياهو كون هذه المجموعة متطرفة وتدعي أنهم رجال دين ما يعني أن إرسال الرسالة محاولة لنسف جميع الحقوق الوطنية الفلسطينية التي وقف معها وأعلنها الفاتيكان.
وفي حديث لـ"النشرة"، قلل دلياني من إمكانية أن يؤخذ هذا التحرك اليهودي على أنه جدّي من الناحية العملية، لكنه أشار إلى أنّ عددا كبيرا من هؤلاء الحاخامات اليهود هم مقربون من دائرة الحكم في "إسرائيل"، إضافة إلى تأثيرهم الكبير على أحزاب الائتلاف الاسرائيلي، ما يعني أنّ حكومة الاحتلال موافقة على الموضوع.
ووصف دلياني وهو عضو مجلس ثوري عن حركة "فتح" في الضفة الغربية المحتلة، عدم إصدار حكومة الاحتلال أي موقف تجاه ذلك، بأنه يعكس مدى تفشي العنصرية والأيدولوجية المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي، كون حتى مؤسسات المجتمع المدني لم تصدر موقفا من هذا الموضوع.
وأضاف دلياني: "من الناحية العملية لا يوجد خطورة لأن لا وزن لإسرائيل او لهذه المجموعة يمكن أن يفرض ولايتها الجنونية على الفاتيكان أو غيره، لكن الجدّية التي نأخذها من دلالات هذا الموضوع هو عدم تصرف حكومة الاحتلال أو اصدارها موقف تجاه ذلك".
لا صفة قانونية للمحكمة
وبعيدًا عن المعاني والدلالات السياسية، تُطرح أسئلة عن إمكانية أخذ الأمور منحىً قانونياً. وعلى هذه النقطة، يجيب أستاذ القانون الدولي الإنساني حنا عيسى موضحاً أنّنا أمام "محكمة دينية عليا تختص بالشؤون اليهودية البحتة والديانة اليهودية هي ديانة غير تبشيرية فهي لا تستطيع أن تبت في الديانتين: الإسلام والمسيحية، وهذا جانب مهم جداً"، مشدداً على أن لا صفة شرعية وقانونية لها على الإطلاق، وهي تتدخل في شؤون الطلاق والإرث وغيرها من الشؤون اليهودية فقط".
وفي حديث إلى "النشرة"، رأى عيسى أنّ هذه المحكمة هي صورية مخالفة للتعاليم اليهودية ولكل آراء اليهود الحاخامات المتدينين الذين يتبعون الأرثوذوكسية او اليهودية الاصلاحية أو اليهودية المحافظة وفق قوله، مشيراً إلى أنهم "خرجوا عن هذه الطوائف جميعها بما يتعلق باليهودية".
عيسى وهو الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات أيضاً، وصف ما جاء في هذه الرسالة بالأسلوب الوقح، والتعدي المباشر على البابا فرنسيس، إذ أنها تعكس العنصرية والتطرف الأعمى والتعصب تجاه الديانات السماوية الأخرى المسيحية والإسلامية.
وأضاف عيسى: "ما قام به هؤلاء المتطرفين يدلل على أن نفوذ الحركة الصهيونية العالمية في تزايد مستمر على الصعيد الدولي، لأنه لو كان هناك قواعد في القانون الدولي تلزم دولة الاحتلال بالوقوف عند حدها، لما قاموا بإرسال هذه الرسالة وتحديد موعد المحاكمة في 20 أيلول".
واعتبر عيسى أن هذه الرسالة كلها خارج الشرعية الدولية والقانون الدولي، لافتاً إلى أنّها تتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولي ومبادئ التسامح التي أقرتها الأمم المتحدة.
إهانة لقداسة البابا...
وإذا كان عيسى يؤكد أنّ هذه المحكمة صورية ولا صفة لها على الإطلاق، فإنّ هذا الأمر لا يقلّل بحسب نائب البطريرك العام لبطريركية اللاتين في فلسطين، وليم الشوملي من شأن الرسالة بوصفها "إهانة لقداسة البابا"، مشيراً إلى أنّها "تعبر عن انغلاق هذه الفئة على ذاتها في المجتمع الإسرائيلي، إذ إنّ تفكيرهم لا يتطابق مع الوضع الراهن وهو غير شرعي".
وفي حديث لـ"النشرة"، رأى الشوملي أنّ هذا الأمر يدلّ على حقد دفين تجاه الكنيسة الكاثوليكية، في ظل ممارسات احتلالية قمعية بحق الفلسطيني أينما كان في الأراضي المقدسة.
وأوضح الشوملي أن البابا لا يأبه لهذه الانتقادات، وهو يأخذ القرار المناسب بما يتناسب مع العدالة والحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنهم انتقدوه لأنه اعترف بحقوق الشعب الفلسطيني.
(1)أصدرت محكمة دينية يهودية مكونة من 71 حاخاماً يعتبرون أنفسهم أصحاب قرار في المحكمة الدينية العليا التي أدارت شؤون اليهود في حقبات تاريخية، رسالة موجهة الى حاضرة الفاتيكان تطالب قداسة البابا فرنسيس الأوّل بالاعتذار عن اعترافه بالدولة الفلسطينية خلال اسبوعين، مهددين بمقاضاة راس الكنيسة الكاثوليكيّة أمام هذه المحكمة في 20 الجاري، وإن لم يحضر المحكمة فستتم محاكمته غيابياً.
النشرة حصلت على الرسالة المسربة من مصادر كنسية فلسطينية وهي كالتالي: