كثر الحديث في المدّة الأخيرة، خاصة من قبل مسؤولين أتراك عن "منطقة آمنة" في الشمال السوري بالتنسيق بين أنقره وواشنطن، الأمر الذي نفته الولايات المتحدة الأميركيّة. كما كثر الحديث عن دور مُهمّ مُنتظر للفرقة 30 التي تضم عناصر من المُعارضة السورية يُدرّبها ضباط من قوّات التحالف الغربي، قبل أن تتلقّى هذه الفرقة ضربات مُوجعة من داخلها، لجهة إنشقاق وهروب مُقاتلين منها، ومن خارجها لجهة خطفهم وقتلهم(1) على يد عناصر تنتمي إلى "جبهة النصرة" التي تُعتبر الممثّل الرسمي لتنظيم "القاعدة" الإرهابي في سوريا. فما هو جديد "المنطقة الآمنة" التي تردّد أنّه يتم تحضير الأرضيّة المناسبة لفرضها، وهل من دور جدّي للفرقة 30 في الحرب السورية مُستقبلاً؟
بالنسبة إلى المنطقة الآمنة، فإنّ سبب تجميدها مرّة أخرى، يعود إلى خلاف أميركي-تركي في ما خصّ المنطقة الجغرافيّة التي كان من المُفترض أن تشملها، على الرغم من توافق الطرفين المَعنيّين بضرورة خلوّ هذه المنطقة من مُسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي، ومن توافقهما أيضاً على ضرورة تأمين الغطاء الجوي للقوات البرّية التي ستسَيطر على الأرض والتي ستُشَكّل من قوات سورية معارضة مُصنّفة "مُعتدلة". فأنقره تريد أن تمتد "المنطقة الآمنة" المُفترضة داخل الأراضي السورية، من مدينة أعزاز وصولاً إلى مدينة جرابلس، بطول يبلغ 98 كيلومتراً تقريباً وبعرض يزيد عن 45 كيلومتراً. وهي كانت تُخطّط لإبعاد مُسلّحي "داعش" عن حدودها، ولإعادة قسم كبير من اللاجئين السوريّين من الداخل التركي إلى الداخل السوري من جديد(2)، ولإفشال مُخطّط الأكراد بإقامة منطقة حكم ذاتي متماسكة ومتواصلة جغرافياً. في المُقابل، تضغط واشنطن لدفع حدود هذه "المنطقة الآمنة" المُفترضة نحو الغرب بعيداً عن مناطق نفوذ وسيطرة المُقاتلين الأكراد التابعين بشكل أساسي لحزب "الإتحاد الديمقراطي"، والذي يُشكّل في الواقع إمتداداً لحزب "العمّال الكردستاني" التركي المحظور. وهي ترغب بحصر المُواجهة مع مُسلّحي تنظيم "داعش" الإرهابي، وتطالب بعدم المساس بالمُقاتلين الأكراد. وقد أسفر الخلاف بين الطرفين إلى إرجاء مسألة "المنطقة الآمنة" إلى أجل غير مُسمّى، مع تسجيل خطوات تصعيديّة مُتبادلة، تمثّلت بتصعيد الجيش التركي هجماته ضُد المقاتلين الأكراد، وقيام الجيش الأميركي في المُقابل بسحب صواريخ "باتريوت" التي كانت مُنشورة في جنوب تركيا، بالتزامن مع تغطية واشنطن لقرار الإدارة الذاتية للمناطق الكرديّة في شمال سوريا ضمّ مدينة "تل أبيض" إلى ما يُسمّيه الأكراد مُقاطعة عين العرب (كوباني). ومن الضرورة الإشارة إلى أنّ روسيا وإيران تُعارضان بشدّة أيّ محاولة لفرض منطقة عازلة، بينما تُحذّر سوريا من أنّها ستعتبر أيّ تصرّف من هذا النوع عدواناً أجنبيّاً على أراضيها.
وبالنسبة إلى الفرقة 30 فإنّ أوّل مُشاركة ميدانيّة فعليّة لها في القتال جرت حول بلدة مارع في ريف حلب الشمالي، حيث دخلت أرض المعركة بتغطية جويّة عنيفة من طيران الحلفاء(3)، وذلك ضُدّ مُسلّحين من تنظيم "داعش" نجحوا في محاصرة البلدة وفي السيطرة على مجموعة من القرى المحيطة. ومهمّة الفرقة 30 الحالية تتمثّل في منع سقوط بلدة مارع بيد مُسلّحي تنظيم "داعش"، وفي وقف تقدّمهم بشكل كامل، وهي نجحت في ذلك. ونُقل عن مسؤولين عسكريّين ميدانيّين في الفرقة المذكورة، تأكيدهم أنّ وحدات إضافية تُقدّر بنحو 300 مقاتل ستصل في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة إلى داخل بلدة مارع لتتحوّل الفرقة 30 عندها من الوضع الدفاعي عن البلدة إلى الوضع الهجومي على القرى والبلدات المحيطة. واللافت أنّ مسؤولي الفرقة أقرّوا بوجود تنسيق مع باقي الفصائل المُسلّحة التي تُقاتل ضدّ "داعش"، إنطلاقاً من مبدأ "العدوّ المُشترك".
في الخلاصة، لا "منطقة آمنة" في شمال سوريا في المُستقبل القريب لأكثر من عامل وسبب، وبالنسبة إلى التنسيق القتالي الميداني بين طيران التحالف وقوّات الفرقة 30 التي يجري تدريبها بمساعدة غربيّة، فهو أثبت نجاحاً ملحوظاً في أرض المعركة في بلدة مارع أخيراً، لكنّ الحديث هو عن عدد محدود من المقاتلين على الأرض، أيّ أنّه نجاح إعلامي إستعراضي لا يُغيّر شيئاً في واقع الحرب السوريّة.
(1) في طليعتهم قائد الفرقة العقيد نديم الحسن الذي لا يزال مُحتجزاً لدى جبهة "النصرة".
(2) بلغ عددهم 1,8 مليون لاجئ بحسب آخر الإحصاءات التركيّة، علماً أنّ العدد في تصاعد مُستمرّ بوتيرة مُتسارعة.
(3) تمّ شن 16 غارة جويّة في غضون ساعات قليلة على مراكز ونقاط تجمّع لمسلّحي "داعش" في محيط بلدة مارع لتغطية الهجوم البرّي.