مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة خاصة لمناقشة الوضع في لبنان.
إنّ البيان الذي صدر عن الأمم المتحدة والداعي الى ضرورة الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية أمرٌ يدعو للريبة والحذر والبحث في ثنايا الدعوة.
من حيث الشكل، تُعتبَر دعوة فيلتمان تدخلاً فاضحًا في الشؤون اللبنانية واعتداءً صارخًا على سيادة لبنان وتجاوزًا لكل القوانين والاعراف واللياقات في العلاقات الدبلوماسية.
اما من حيث المضمون، فتبرز دعوة فيلتمان لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وانتظام عمل المؤسسات الدستورية والتشريعية خصوصًا ان مثل هذه الدعوة لم تأتِ من جهاتٍ لبنانية او عبر وزارة الخارجية اللبنانية، بل جاءت من جهة خارجية ومباشرة من مساعد الامين العام للأمم المتحدة في مجلس الامن. إنّ مثل هذه الدعوة أمرٌ يثير لدينا الريبة والخوف والحذر، خصوصًا ما اختزن لدينا من خبرة في كيفية عمل المنظمات العالمية والدولية بما يخدم المصالح الأميركية وسياسة أميركا في بلادنا العربية.
إنّ ما سبق من قرارات اتخذت من قبل الامم المتحدة بشأن اي بلد عربي وعلى مدى السنوات الماضيه لم تكن في يوم من الايام في مصلحة اي من البلدان العربية، بل انه وعقب اي قرار اممي يواجه البلد صاحب القرار الاممي المتخذ بشانه وضعًا امنيًا واجتماعيًا صعبًا وانقسامًا طائفياً ومذهبيًا وتغييرًا في البنى الديموغرافية، ما يهدّد بفرط عقد الدولة باكملها. واذا ما راقبنا طريقة اتخاذ القرارات التي تبدأ بمشاورات صعودًا وبالتدرّج لتصل الى مرحلة اصدار بيان ومن ثم اتخاذ قرارات توضع في حينها على الرف لتبقى جاهزة الى حين تهيئة الظروف المعيشية الاجتماعية غير المستقرّة بهدف اغراق البلاد والعباد بالفوضى الخلاقة التي تخلق مناخًا مؤاتيًا داخليًا وخارجيًا لاستقبال قرار ملزم من الامم المتحدة وتحت الفصل السابع.
اذاً جيفري فيلتمان نجح باصدار بيان من الامم المتحدة يخلص الى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وانتظام المرافق الرسمية واعادة الحياة الدستورية للمؤسسات التشريعية.
من الواضح ان فيلتمان استطاع استصدار بيان من الامم المتحدة بخصوص لبنان، وفي هذا الوقت البالغ التعقيد بالذات، لكنّ تاريخ الرجل منذ كان سفيرًا لبلاده في لبنان وحتى تعيينه في وزارة الخارجية الأميركية، ومؤخرًا مساعدًا للامين العام للامم المتحدة، لم تكن مشجعة ولم تكن رغبته في يوم من الايام مصلحة العرب.
فالجميع يتذكر زيارة فيلتمان الى تونس وما الت اليه اوضاع تونس، زيارة الرجل نفسه الى مصر وراينا ما حصل في ميدان التحرير، وادارته لملف ليبيا فاذا بليبيا تتقسم وتتفتت بحروب أهلية وقبلية، ومؤخرًا دخل على خط الملف النووي الايراني، فاذا به يزور طهران وبشكل سري مرة وعلنية مرة ثانية ممثلا للامين العام للامم المتحدة، ولا نذيع سرًا بأنّ الرجل كاد يطيح بهذا الاتفاق لولا تمت تنحيته عن الملف الايراني واجباره من قبل الخارجية الأميركية على متابعة امور تطبيق مبدأ الفوضى الخلاقة في الشرق الاوسط وضمنه بالطبع لبنان.
ولا ننسى ان فيلتمان وفور انتهاء مهمته في لبنان كسفير لبلاده عمل على جمع الاموال واقناع الإدارة الأميركية بجمع التبرعات لشن حملة اعلامية شنيعة بهدف تشويه سمعة "حزب الله" والنيل من هيبة وقدسية أمينه العام السيد حسن نصرالله.
صحيح ان البيان الصادر عن الامم المتحدة يدعو الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن هل الظروف الاقليمية والمحلية والدولية مهيّأة لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، خصوصًا في ظل هذا الاشتباك السياسي اللبناني من جهة والاقليمي بين السعودية وايران من جهة ثانية وانسداد الافق و تعنت وتمسك كل طرف بموقفه غير آبهٍ بمستقبل البلد والولد؟
البعض يريد قانون انتخاب والبعض يريد تغيير النظام والبعض يريد تطبيق النظام، اما البعض الاخر يريد اسقاط النظام.
وهذا الشعار المقيت لا يحمل الينا سوى الذكرى السيئة، وفور سماعنا لهذا الشعار تعززت لدينا مخاوفنا من تكرار مشاهد الفوضى التي جلبت الذبح والقتل والتمزق والتشرد وانهيار دول باكملها وتقسيم اوطان على اسس مذهبية وطائفية وعرقية واثنية، ما أفسح المجال أمام دخول "داعش" وأخواتها الى اوطاننا حتى بتنا نترحم على ظلم حكام الدول التي انهارت، حكام منهم من ارتقى الى ربه او قتل او تم اعدامه او سجنه..
اصدار مثل هذا القرار بالتزامن مع الدعوة التي اطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لرؤساء الكتل النيابية للاجتماع الى طاولة حوار تشبه طاولة الحوار في العام 2006 المشؤومة التي دُعي اليها نفس الاشخاص الذين عاثوا بالبلاد فسادا واستباحوا كل المحرمات، هم انفسهم تمت دعوتهم اليوم الى طاولة الحوار الجديدة المزمع التحولق حولها في التاسع من الشهر الحالي بالمجلس النيابي لهو دليل واضح بان مهلة السماح المعطاة للبنان اقتربت من الانتهاء وعليكم انتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة محددة والا فالفوضى بلبنان حاملة كل بشاعتها واجرامها قادمة الينا لا محال.
هذه المقولة تذكرني بمقولة المبعوث الأميركي الى لبنان ريتشارد مورفي عام 1988 عندما جاء الينا كمساعد لوزير الخارجية الأميركية واطلق من قصر بعبدا الذي كان يحتله العماد ميشال عون الطامح لرئاسة الجمهورية الرافض لاتفاق الطائف والمتمسك بمطالبه، عندئذ اطلق مورفي المقولة الشهيرة "اما ان تنتخبوا النائب مخايل الضاهر واما الفوضى".
عندها رفض الجنرال عون الاذعان الى تهديد مورفي فكانت الفوضى واصيبت البلاد بارتدادات قوية لم نزل نشعر بها حتى يومنا هذا.
وكأن التاريخ يعيد نفسه وشريط الاحداث يمر امامي مرة اخرى.
ان محاولة جيفري فيلتمان استصدار بيان عن لبنان من الامم المتحدة كمن يعيد الينا مقولة مورفي، اما رئيس للجمهورية واما الفوضى، وفي حال الفوضى نبشركم بان بيان الامم المتحدة بشأن لبنان سيصبح قرارا امميا ملزمًا بشأن انتخاب رئيس للجمهورية سيتم اتخاذه وخلال فترة محددة.
ان استصدار قرار ملزم من الامم المتحدة يحتاج الى ظروف ومناخات مؤاتية، وهذه المناخات لا تستوي الا بالفوضى الخلاقة، وهذه الفوضى الخلاقة تحتاج الى عملية تراكمية من المطالب الشعبية والمعيشية المحقة واعاقة تحقيقها يؤدي الى انفجار الشارع احتجاجا ليتم حينها خطف المطالب المعيشية المحقة من خلال اصابع مخابرات السفارات والدول التي تريد تنفيذ اجندة معينة تخدم مصالحها وفي مقدمة تلك الدول طبعا الولايات المتحدة ومن خلفها اسرائيل، عندها يتم تضييع البوصلة عن اساس الاهداف التي نشأت المظاهرات من اجل تحقيقها فنبتلي ببشاعة الفوضى الخلاقة ودمائها المتناثرة في كل مكان من الوطن الغارق بالضياع دون اي امكانية لوقف النزف المرتقب تماما كما حصل بكل من تونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا والاتي على لبنان طبعا.
ترسم للبنان سيناريوهات عدة، ولكن في مجملها تصب بخانة الفوضى التي تصيب الجميع دون استثناء واخص منهم المقاومة، واذا نجح فيلتمان ومن خلفه الادارة الأميركية واسرائيل بتحقيق حلمه القديم الهادف الى ارباك المقاومة داخليًا وتشويه صورة المقاومة وسيدها.
بذلك تكون اميركا واسرائيل نجحتا بما عجزا عن تحقيقه في عام 2006 او اقله ما دأبت عليه أميركا واسرائيل على مدى العقدين المنصرمين.
اننا نرى الفوضى المدمرة قادمة الينا بل انها باتت تلامس اعتاب منازلنا وشوارعنا وازقتنا ومناطقنا وفي كل البقع اللبنانية دون استثناء.
المطلوب تضحية وطنية من الجميع دون استثناء قبل ان تفتك بنا الفوضى المدمرة ويصبح مصير اطفالنا مثل مصير الطفل ملان كوردي.