"المطلوب قانون انتخابي عصري يعتمد على النسبية يسمح لمكونات المجتمع اللبناني بالتمثل داخل المجلس النيابي". ترددت هذه العبارة بشكل كثيف في الايام القليلة الماضية، خصوصا مع ازدياد وتيرة التحركات الشعبية المطالبة بتغيير الوضع القائم.
يرى بعض الداعمين للتحركات الشعبية ان بداية التغيير المطلوب تكون عبر الدفع باتجاه اقرار قانون جديد للانتخابات تكون النسبية أساسا له، وبالتالي أصبح من المفيد قراءة مواقف الاحزاب اللبنانية الاساسية والمؤثرة، المشاركة في المجلس النيابي، من مبدأ "النسبية".
قد يكون رئيس المجلس النيابي نبيه بري من أكثر الداعين إلى تطبيق النسبية، فخطاباته المركزية منذ سنواتٍ غير قليلة تكاد لا تخلو من ذكر "ضرورة اقرار قانون انتخابي جديد على أساس مبدأ النسبية مع اعتماد لبنان كدائرة انتخابية واحدة، أو على اساس المحافظات"، وقد ذكر بري هذا الامر في خطابه الاخير في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر في النبطية، معتبرا ان اي حل مفيد للبنان يجب ان يبدأ من هذا الملف ولذلك ضمه الى جدول الحوار في 9 ايلول المقبل.
وتؤيّد "كتلة المستقبل"، وهي أكبر الكُتَل من حيث العدد في البرلمان اللبناني، هذا الطرح من الناحية النظرية، لكنّها تعتبر أنّه أصبح مجرّد "شعار"، على حدّ تعبير عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش، الذي يوضح في حديث لـ"النشرة" أنّ النسبية تعتبر مفيدة نظريًا، ولكن الاهم هو التفصيلات المرافقة لها. ويشرح وجهة نظره قائلاً أنّ "النسبية المترافقة مع تقسيم طائفي ستصبح مجحفة بحق فئات معينة، وخاصة اذا ما تم اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، فعندها ستطغى الاكثرية الطائفية مما يعني تهميش طائفة بكاملها"، ويقول: "إن كان الجدل سابقا على كيفية تظهير صوت المسيحيين فإن اعتماد النسبية مع لبنان دائرة انتخابية واحدة يلغي الصوت المسيحي لان التحالفات ستكون مبنية على رأي الاكثريات".
باختصار، يلخّص علوش موقف "تيار المستقبل" بعبارة "نعم للنسبية ولكن مع بحث معمق بكل التفصيلات المرافقة لها لايجاد الصيغة الافضل". هذه الـ"ولكن" موجودة أيضًا في قاموس "التيار الوطني الحر"، إلا أنّها ليست الطاغية، باعتبار أنّ "النسبية هي من القوانين المنصفة التي قرر الجنرال ميشال عون الاعتماد عليها في اي قانون انتخابي مقبل"، كما يقول الوزير السابق ونائب رئيس التيار الوطني الحر للشؤون السياسية المقبل نقولا صحناوي في حديث لـ"النشرة"، شارحاً أنّ "النسبية فيها حسنات وفيها سيئات ولكنها تخفف الاحتقان لأنها لا تغبن أحدا، وتجبر الاحزاب السياسية على انشاء التحالفات العابرة للطوائف وعلى اساس الافكار السياسية، كوننا نعيش في بلد تتداخل طوائفه على مساحة الوطن".
وفيما يلفت صحناوي الى ان بحث التقسيمات الادارية يتم في لجان المجلس النيابي، مع التأكيد على ان توسيع الدائرة الانتخابية يفعّل النسبية أكثر، يذهب حليفه الأساسي "حزب الله" إلى تفضيل الدائرة الكبرى، وإن كان يترك الأمر رهناً بالاتفاق بين الكتل على كيفية التقسيم الاداري للبنان، وفق ما يؤكد عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب علي فياض، الذي يجزم في حديث لـ"النشرة" أنّه "لا يوجد أي خيار بديل عن اقرار قانون انتخابي جديد على اساس النسبية كمدخل اساسي للاصلاح السياسي"، داعيًا القوى السياسية كافة الى التعاطي بايجابية مع النسبية والاقلاع عن تحفظاتهم عليها لان النسبية في النظام الانتخابي ليس لحساب فئة او طائفة انما لحساب الاستقرار والتطور السياسي في لبنان.
هذه التحفظات التي يتحدّث عنها فياض لا تزال موجودة مثلاً عند "الحزب التقدمي الاشتراكي"، الذي لا يمكن لأحد القفز فوقه باعتبار أنّه يشكّل "بيضة القبان" في البرلمان اللبناني من خلال كتلة "اللقاء الديمقراطي" المؤلفة من أحد عشر نائباً. أما فحوى هذه التحفظات فيلخّصها مفوض الإعلام رامي الريس في حديث لـ"النشرة" بالقول أنّه "تم اجتزاء النسبية ولم ترفق بسلة اصلاحية اخرى تؤمن المناخ لتطبيقها، خصوصا ان عدم انتظام الحياة الحزبية في لبنان على قواعد غير طائفية يجعل تطبيق النسبية اكثر صعوبة"، مؤكداً في الوقت عينه انفتاح "الحزب التقدمي الاشتراكي" لنقاش كافة العروض المطروحة عندما يصبح نقاش القانون الانتخابي جدي.
وإذا كان الريس يحرص على التذكير بأنّ مؤسس الحزب كمال جنبلاط كان أول من نادى بالنسبية وبالتالي في وقتها كان كثير من الفرقاء لم يولدوا بعد، ويقول: "نحن نعتبر انفسنا رأس حربة بهذا المطلب التاريخي ونعتبر ان النسبية هي احد افضل الانظمة"، لا تبدو "القوات اللبنانية" من المتحمّسين للنسبية، إذ تكتفي أوساط قيادية فيها بالقول أنّها لا تمانعها، إلا أنّها تسعى لايجاد صيغة تحمي الميثاقية وتؤمن حقوق المسيحيين بالتمثيل الصحيح. وإذ تلفت هذه الأوساط إلى أنّ المجلس النيابي هو المكان الصحيح للتفاوض حول قانون الانتخاب وليس الشارع، تذكّر بأنّ الحزب سبق أن قدم رؤيته لقانون الانتخابات عبر اقتراح قانون جاء بالاتفاق مع رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري والذي يعتمد على مبدأي الاكثري والنسبي في آنٍ واحدٍ.
هنا أيضًا، يتمايز "الكتائبيّون" عن رفاقهم في "القوات"، وإن كانوا مثل غيرهم يربطون تأييدهم "المبدئي" للنسبية بالتقسيمات التي تبقى الأساس برأيهم، كما يقول عضو المكتب السياسي في "الكتائب" سيرج داغر، الذي يؤكد في حديث لـ"النشرة" أنّ الحزب مع أي قانون يؤمن التمثيل الصحيح سواء اعتمد المبدأ النسبي أم الاكثري، "فمثلاً اقتراح القانون الارثوذكسي كان مرفوضًا وطنيا رغم انه يعتمد النسبية".ويشدد داغر على ان حزب الكتائب ليس لديه موقفا عقائدي من قانون انتخابي معين بل هو مستعد لنقاش أي قانون يؤمن عدالة التمثيل للجميع.
عدالة التمثيل التي يتحدّث عنها "الكتائبيون" يتوخّاها أيضًا تيار "المردة"، ولكنّه يراها بشكلٍ أساسي في النظام النسبي، الذي يشكّل "المدخل الاساسي لاصلاح بنية النظام السياسي في لبنان ولتأمين التمثيل الصحيح لكل المكونات الطائفية والسياسية، بحيث لا يُعزل أحد ويساهم بتخفيف الاحتقان والتشدد"، كما يوضح عضو لجنة الشؤون السياسية في تيار المردة المحامي شادي سعد، الذي يؤكد في حديث لـ"النشرة" تأييد تياره لمبدأ النسبية في أي قانون انتخابي قادم. أما بالنسبة لتقسيم الدوائر الانتخابية، فيقول سعد أنّ "هذا أمر متروك للنقاشات تحت قاعدة اعتماد الحل العلمي الذي يؤمن تمثيل الجميع وتحقيق المصلحة الوطنية دون اعتماد المعايير المفصلة على قياس فئة هنا أو فريق هناك".
وتبقى مواقف "الحزب القومي" و"حزب البعث" من النسبية واضحة ومعروفة، وكذلك هو الامر بالنسبة للحزب الشيوعي.
في الظاهر يبدو ان جميع الاحزاب تقف الى جانب النسبية، ولكن الاغلبية يربطون موافقتهم عليها بكيفية تقسيم الدوائر، وفي هذه التفاصيل يكمن "الشيطان"، مما يجعل القانون الانتخابي النسبي الذي يعتمد على لبنان دائرة انتخابية واحدة لا يزال حلما بعيد المنال.