منذ بداية الحرب السوريّة قبل أربع سنوات ونصف حاول دروز سوريا البقاء على الحياد والإكتفاء بالدفاع عن مناطق إنتشارهم، في ظلّ بروز خلافات في صفوفهم بشأن الجهة التي يجب مؤازرتها في هذه الحرب المفتوحة، حفاظاً على حياتهم وعلى تواجدهم التاريخي. وقد حاول القادة الدُروز في لبنان دفعهم إلى مساندة هذه الجهة أو تلك(1)، لكنّ دروز سوريا حافظوا على نسبة عالية من الحياد، حيث لم تنتفض السويداء على النظام كما الكثير من المحافظات الأخرى، لكن عدداً كبيراً من أبناء المحافظة الدُرزيّة رفض القتال في صفوف الجيش السوري، وشكّل الكثيرون ميليشيات مُسلّحة للدفاع عن السويداء ضد أيّ مُعتدٍ خارجي أيّا تكن هويّته. فهل ستُغيّر عمليّة إغتيال الشيخ الدرزي وحيد بلعوس المُعارض للنظام السوري(2) واقع الحياد الدرزي في سوريا، ومن يقف وراءها، وما الهدف منها؟
بحسب رواية المصادر المحسوبة على النظام السوري الذي أعلن إلقاء القبض على شخص يُدعى "وافد أبو ترابة"(3)، واصفاً إياه بالإرهابي وبأنّه أحد أبرز المُتهمين باغتيال الشيخ بلعوس، فإنّ الهدف من عمليّة الإغتيال هو تأجيج مشاعر دروز السويداء للإنتفاض على الجيش السوري ولمهاجمته لدفعه إلى إخلاء مواقعه في المنطقة(4)، وإلى الدخول بمواجهة عسكريّة مع أبناء المنطقة، علماً أنّ الهدف البعيد يتمثّل في تقليب الرأي العام الدُرزي السوري ضدّ النظام بشكل كامل تمهيداً لإفساح الطريق أمام "جبهة النصرة" وغيرها من التنظيمات المُسلّحة للدخول إلى السويداء. وأضافت هذه المصادر أنّ "أبو ترابة" يعمل لصالح جهاز الإستخبارات الأردنيّة، وهو كان عاد إلى السويداء بعد فراره لفترة من الوقت إلى الأردن، وذلك بمساعدة وتوجيه من غرفة إستخبارات أجنبيّة تعمل هناك تحت إسم "غرفة عمليّات الموك" التي تُقدّم الدعم اللوجستي والعسكري لبعض تنظيمات المُعارضة السوريّة المُصنّفة مُعتدلة.
في المُقابل، وبحسب رواية مُعارضي النظام السوري داخل الطائفة الدُرزيّة في سوريا، إنّ هذا الأخير هو الذي دبّر عمليّة إغتيال الشيخ بلعوس وغيره من الشيوخ الذين يُطلق عليهم إسم "شيوخ الكرامة" بسبب جرأتهم وعدم خوفهم من أيّ طرف، وخصوصاً بسبب رفضهم تورّط أبناء السويداء ضدّ باقي أبناء الشعب السوري. وبحسب هؤلاء المُعارضين إنّ الهدف من عمليّة الإغتيال يتمثّل في ضرب رأس الحركة المُعارضة الناشطة التي نجح الشيخ بلعوس في تأسيسها في السويداء، تمهيداً لسحقها كلّياً، بالتزامن مع توجيه رسالة ترهيب لأيّ شيخ دُرزي قد يُحاول أن يقوم بمحاولات مُماثلة في المُستقبل. ورأى هؤلاء أنّ إلقاء القبض على ناشط مُعارض بعد ساعات محدودة من حصول التفجيرين الإرهابيّين المُتتاليين في السويداء، والإدعاء بأنّه إعترف بتدبيره الإغتيال بسرعة قياسيّة، فضح ما وصفوها بـ"التمثيليّة المُركّبة بهدف التضليل"(5). وتمنّى هؤلاء المُعارضون أن تُشكّل مُبايعة الشيخ رأفت بلعوس خلفاً للشيخ الراحل إستمراراً لمسيرة الكرامة.
في الختام، يُمكن القول إنّ الشيخ بلعوس الذي كان قد رفع شعار "فوق الأرض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة" نفّذ شعاره بشكل كامل، حيث رفع صوته وتحدّى الجميع في حياته، وسقط بتفجير غادر حفظ كرامته ولو بعد أن صار تحت التراب. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل ستدفع عمليّة إغتيال الشيخ بلعوس دروز سوريا إلى القتال ضُدّ النظام، أم العكس هو صحيح؟ الأرجح أنّ الإنقسام الحاد في الصف الدُرزي سيبقى قائماً، والأرجح أنّ الخشية من إرتكابات الجماعات المُتطرّفة سيحول دون الإنقلاب كلّياً على النظام السوري، ما يعني أنّ الوضع في السويداء سيبقى كما كان عليه قبل عمليّة الإغتيال، لكن طبعاً بعد مرور فترة الغضب والنقمة الحالية، حيث أنّ مُستوى الإحتقان في الشارع الدرزي السوري بلغ أخيراً أعلى درجاته، مع كل إنعكاساته السلبيّة على الشارع الدرزي اللبناني.
(1) النائب وليد جنبلاط دعاهم مراراً لمساندة "الثورة" ضُدّ النظام السوري، بينما عمل الوزير السابق وئام وهّاب على إنخراطهم في القتال ضُد الجماعات الإسلاميّة المُتشدّدة، ودعاهم النائب طلال أرسلان إلى مؤازرة النظام.
(2) يُعتبر الشيخ بلعوس المُلقّب بإسم "أبو فهد"، من مُعارضي النظام السوري، حيث كان يدعو الشبّان الدروز في السويداء وسوريا عموماً إلى عدم الإلتحاق بالجيش السوري، وهو إتهم أكثر من مرّة الإستخبارات السورية بالعمل على الإيقاع بين أهالي كل من السويداء ودرعا. وكان يعمل بشكل دائم على توحيد مواقف دروز السويداء وفق مبدأ الدفاع عن المنطقة ضُد أيّ إعتداء، ويدعو في الوقت نفسه إلى عدم مُهاجمة أي قرية أو بلدة مجاورة. وقد صدر عليه منذ مدّة "حكم البعد" من أعلى مشايخ دروز سوريا، وهو نوع من إقصاء إجتماعي وديني، وذلك في محاولة لإضعافه بعد نجاحه في إستقطاب مجموعة من المشايخ الدروز وعدد كبير من الشُبّان إلى جانبه.
(3) شارك بالقتال ضدّ الجيش السوري في مراحل سابقة، وهو مُتّهم بقيادة مجموعة مُسلّحة في منطقة ظهر الجبل في شرق السويداء يُقدّر عديدها بنحو مئتي مُسلّح.
(4) أعقب عمليّة إغتيال الشيخ بلعوس تدمير تمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في مدينة السويداء، وتمزيق صوره وصور نجله الرئيس السوري الحالي بشّار، ومُهاجمة مراكز للأمن السوري بالأسلحة الرشّاشة، وأعمال شغب واسعة، إلا أنّ الجيش السوري لم يُواجهها بل طلب من المشايخ الدروز القريبين منه العمل على ضبطها.
(5) يُذكر أنّ النائب جنبلاط رأى بدوره أنّ "أبو ترابة" هو "أبو عدس سوريا"، في إشارة منه إلى الإعتراف الجاهز الذي جرى تعميمه على وسائل الإعلام في لبنان بعد ساعات على إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بهدف التضليل.