فيما تتّجه الأنظار نحو الجلسة الأولى لطاولة الحوار التي دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى عقدها غداً، لم تكتسِب كل الفرضيات التي تردّدت على لسان شخصيات سياسية عن المأمول من هذه الطاولة أي جديّة، بل بقيت جميعها مُدرجة في إطار التمنّيات حيال الأزمة السياسية والشعبية. لكن غياب الآمال العريضة لا يعني في المقابل التقليل من أهمية «جمع القوى السياسية المشاركة حول طاولة واحدة تكون بديلاً من الحوارات الثنائية التي لم تنتِج حلّاً لأي من الملفات المجّمدة، باستثناء أنها حافظت على شعرة معاوية بين الخصوم، لإبقاء إمكانية التواصل قائمة»، وإن كانت الوقائع التي رافقت ترحيب الأكثرية بدعوة رئيس المجلس (باستثناء القوات اللبنانية) تظهر غياب الحماسة عند مختلف القوى بسبب عدم اقتناعها بإمكان كسر الجمود القاتل في سائر المؤسسات. فبعد أن قرر رئيس الهيئة التنفيذية في القوات سمير جعجع المجاهرة برفضه الانضمام إلى المتحاورين، يلعب رئيس كتلة تيار «المستقبل» فؤاد السنيورة ضمناً على نفس الموجة.

وعلمت «الأخبار» أن «السنيورة لا يزال حتى الآن يعارض قرار الرئيس سعد الحريري المشاركة، وهو يضغط باتجاه أن يذهب التيار إلى فرض شروط للمشاركة، ليس أقلّها اعتماد الملف الرئاسي كبند أساسي على جدول أعمال الحوار».

في هذا الإطار ربطت مصادر حكومية بارزة كلام الرئيس برّي «عن نيته فرط الحوار إن تراجع مكوّن ثانٍ عن قرار المشاركة»، باستياء رئيس المجلس من «إصرار السنيورة على التشويش على الحوار»، كما تقول المصادر. وعلمت «الأخبار» أن «السنيورة حاول عقد اجتماع لمكونات الرابع عشر من آذار بهدف توحيد موقفها من الدعوة لكنه لم يفلح، بسبب المواقف المتسرعة التي أطلقها كل من الحريري وجعجع».

وفيما لم تنفِ مصادر المستقبل انقسام الرأي داخل التيار، أكدت أن «السلبية التي يتعاطى بها السنيورة مع الدعوة لن تؤثر على قرار الرئيس الحريري»، لافتة إلى أنه «للمرة الأولى لا يجد فيها رئيس الكتلة صوتاً واحداً مؤيداً له»، علماً أن «الجوّ معقّد، وسط رصد لمعلومات تتحدّث عن عدم وجود نيّة لدى حزب الله والتيار الوطني الحرّ لتقديم تسهيلات في الملف الرئاسي، والتمسك بخيار إجراء الانتخابات النيابية كباب للحل». وتبعاً لذلك، ترى المصادر أن «توفير أرضية لتفعيل عمل الحكومة من ضمن تفاهم يشمل أيضاً التشريع في البرلمان هو الذي سيسهّل شق الطريق نحو النقاش في المطالب المرفوعة، بما فيها الانتخابات النيابية والقانون الذي سيُعتمد».

عشية هذه المحطّة، ووسط كل الشكوك، تنتظر القوى السياسية يوم غد لإدراك مدى جدّية هذه الدعوة للبناء عليها. وإلا فإن طاولة الرئيس برّي ستنقل المتحاورين إلى اشتباك جديد، وخصوصاً في «حال دخول ممثليها بنية انتزاع مواقف جديدة ليست في الحسبان». المهم في هذا الصدد، بحسب مصادر فريق الرابع عشر من آذار هو «خطورة أن يعمد فريق الثامن من آذار إلى تكتيك مشترك، ويقف خلف موقف واحد يطالب بانتخابات نيابية، وينجح في جرّ النائب وليد جنبلاط إلى صفّه، فيرمي الكرة في ملعبنا، ويحشرنا في الزاوية وندخل حينها مرحلة تسويف جديدة، وحينها لا نعرف في أي اتجاه ستسير الأمور».

وفي غمرة المواقف السياسية، يطلّ اليوم رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، الذي سافر أمس (بحسب ما علمت «الأخبار») إلى الأردن في زيارة غير معلنة استقل لها طائرة خاصة أرسلها الملك عبد الله الثاني، في مؤتمر صحفي، سيوضح خلاله موقف الحزب من جدول أعمال طاولة الحوار. وأكدت مصادر «الكتائب» أن «الجميّل الابن هو الذي سيمثل الحزب في جلسة الأربعاء لا الرئيس أمين الجميّل، ولا رئيس الكتلة النائب إيلي ماروني». وقد فتح القرار الكتائبي باب التساؤل عمّا إذا كان العماد ميشال عون سيربط مشاركته شخصياً بحضور الرئيس أمين الجميّل، أو سيرسل نيابة عنه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل إلى طاولة الحوار، في حال حضور الجميل الابن، علماً بأن مصادر عون نفت أن تكون هذه المعادلة مطروحة على طاولة النقاش في الرابية.

على خطّ آخر، كشفت مصادر مستقبلية عن «خلل جديد في العلاقة بين المستقبل والقوات، نتيجة موقف الأخيرة من دعوة الرئيس برّي إلى الحوار، والكلام الذي قاله جعجع في خطابه الأخير». وقد فهم «المستقبل» كلام جعجع على أنه «قرار قواتي بالتغريد خارج سرب 14 آذار، ورسم حدود جديدة للعلاقة مع المستقبل». لم يتلقف تيار المستقبل، بحسب المصادر أي إشارة إيجابية، ولا سيما أن «جعجع، وللمرّة الأولى لمّح إلى أن «حزبه قادر على وضع خريطة طريق مستقلّة عن المستقبل»، فضلاً عن أنه «ركّز في مؤتمره على ملف الفساد، غامزاً من قناة أن المستقبل جزء من المنظومة الفاسدة في البلد، والمسؤول الأول عن الخراب». ولا يقتصر العتب المستقبلي على الهجوم القواتي المموّه، بل إنه بلغ ذروته، نتيجة الزيارة التي قام بها جعجع إلى قطر برفقة زوجته ووفد قواتي، وفسّرها التيار على أنها «رسالة وجّهها جعجع إلى الحريري، مفادها أنه بات يملك شبكة علاقات عربية تمتدّ من المملكة العربية السعودية إلى الإمارات فقطر، بمعزل عن أي مرجعية سياسية سنّية». ووصل الغضب ببعض المستقبليين إلى حد وصف خطاب جعجع وزيارته قطر بأنهما «طعن في الظهر»!