رمت "حركة فتح" الكرة في مرمى "القوى الاسلامية" للتوصل الى "هدنة" في مخيم عين الحلوة، لتجنيب اراقة المزيد من الدماء بعدما حسمت قرارها بابقاء الاجراءات الامنية المشددة التي تقطع اوصال "الشباب المسلم" وتمنع حرية تنقلاتهم بين مربعاتهم الامنية، والاكثر من ذلك أنهم باتوا هدفا للاعتقال وحتى "التصفية" بعدما تبين انهم يقفون وراء عمليات الاغتيال ضد كوارد الحركة في المخيم.
وتؤكد مصادر "فتحاوية" لـ "النشرة" ان الحركة اتخذت قرارها بالاستنفار الدائم تحسّبًا لأيّ تطور، وفي الوقت نفسه، تمدّ يدها للقوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية للحوار والتهدئة تحقيقاً لمصلحة المخيم وأبنائه ولتجنيبه الشرب من الكأس المرة تدميرًا وتهجيرًا، قناعة منها ان هناك محاولة لاستدراجها لاتون اقتتال داخلي وفق أجندة خارجية، تماشيا مع ما يجري في المنطقة من احداث سياسية وأمنية.
وتوضح مصادر فلسطينية ان قرار "فتح" الحاسم هذه المرة هو الذي اطال أمد التوتير، ففي كل مرة كانت تستجيب لدعوات التهدئة والعض على الجراح وطي الصفحة وتقطيع المشكلة عبر تشكيل لجان التحقيق، ثم تتكرر عمليات الاغتيال، ولذلك هي ابلغت بحزم انه لم يعد بمقدورها تحمل تداعيات تصفية كوادرها دون رد او اجراءات رادعة، وان مرحلة ما قبل اغتيال قائد "كتيبة شهداء شاتيلا" العقيد طلال بلاونة ليس كما بعده، وكل الخيارات مفتوحة.
انذار.. بإنتظار ساعة الصفر، فهمته القوى الفلسطينية وقبلها "الشباب المسلم"، فبدأت البحث عن حل يجنب المخيم معركة دامية ينتج عنها تدمير وتهجير ويوقف نزيف الدم "العبثي" وارعاب الناس وشل دورة الحياة مع تصاعد التداعيات السلبية للاشتباكات الاخيرة بين "فتح" و"المجموعات الاسلامية المتشددة"، من "الامن بالتراضي" الى "الامن الذاتي"، اقفال الحارات على بعضها واقامة البوابات الحديدية، النزوح الطوعي وترك المنازل واستئجار أخرى بديلة في صيدا ومنطقتها، "الغضب الشعبي" و"التهديد بالعصيان" المدني وكلها مؤشرات تأخذ المخيم الى ما لا تحمد عقباه مع محاولة تحويل الاغتيال الى عمليات ثأرية عشارية ترى الاوساط الفلسطينية انها اخطر من الفتنة المذهبية والطائفية ومن الاقتتال الداخلي المباشر لانه يهدد نسيج المخيم برمته.
هذه الصورة السوداوية، دفعت "القوى الاسلامية" وتحديدا "عصبة الانصار الاسلامية" و"الحركة الاسلامية المجاهدة" الى تدوير الزوايا، وهي تخسر من رصيدها تدريجيًا الى حد التراجع وقد واجهت هذه المرة صعوبة في اقناع المجموعات الاسلامية وقف اطلاق النار خلافا للمرات السابقة، وهو ما عبّر عنه بوضوح الناطق الرسمي باسم "العصبة" الشيخ ابو شريف عقل الذي قال ان المتضرر الاول والاكبر هي "القوى الاسلامية" اولا لان ما يجري يشوه صورة الاسلام في اشارة الى الاغتيال التي تتفق القوى الاسلامية على تحريمه وفي الاقتتال الداخلي، وثانيا لان "عين الحلوة الملاذ الاخير لنا بعد الله سبحانه وتعالى".
هذا الكلام يعني بوضوح البحث عن "مخارج" و"تسويات"، لا تعطي "فتح" "الضوء الاخضر" لانهاء المجموعات الاسلامية المتشددة وان كان ذلك صعبا وفق قراءة تفاصيل المعركة الاخيرة اذا لم يكن هناك تدخل من الخارج، وبالتالي السيطرة على قرار المخيم او باقل تقدير اضعاف باقي القوى الاسلامية المعتدلة ولا تبقي الوضع متوترا قابلا للانفجار في اي لحظة، في ظل الحديث عن مشروعين متناقضين، الاول يحمله الفكر الاسلامي المتشدد ويهدف إلى القضاء على حركة "فتح" وتصفية كوادرها باعتبارها حركة "علمانية" والثاني اتهام "فتح" بمحاولة تصفية الاسلاميين في معركة "مكافحة الارهاب الدولي" وتقديم فواتير "الولاء"، فبادرت "القوى الاسلامية" الى "تسوية" بينهما، تقوم على تفاهم عبارة عن "وثيقة شرف" فيها "عهد وميثاق" من "الشاب المسلم" لوضع حد لعميات الاغتيالات والاشتباكات بعدما بلورت كل الافكار التي طرحت فلسطينيا ولبنانيا.
إزاء كلّ ذلك، تحدّث الشيخ عقل عن مساعٍ جدية للوصول الى "وثيقة شرف" يوقع عليها "الشباب المسلم" وفيها تحريم ومنع ووقف كل اشكال القتل والاغتيالات في المخيم، على ان تلتزم "فتح" اذا ما حصل اي خطأ بمعالجته في مكانه دون ان تعمم اسلوب العقاب الجماعي، فهل يكون هذا الحلّ أو المَخرَج الذي يعيد الهدوء إلى المخيّم؟