كرست المواقف الأوروبية، الصادرة عن أكثر من دولة فاعلة في إتحاد القارة العجوز، خلال الأيام الأخيرة، الإنعطافة في النظرة إلى الاحداث السورية، التي كانت قد بدأت قبل أشهر طويلة، نتيجة الضغوط التي تمارسها أزمتا الإرهاب واللاجئين، بالرغم من أن الحديث عن تبدل كامل في السياسات قد لا يكون أمراً واقعياً.
وفي حين يبدو من الصعوبة في مكان على دمشق، أن تكون البوابة الأوروبية الجديدة، في المرحلة الراهنة، تبرز إلى الواجهة العاصمة الإيرانية، التي أصبحت مركز إستقطاب، بعد توقيع الإتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى، بسبب مساعي الحصول على مغانم أسواقها الواسعة، لكن هذا الأمر يتطلب دفع ثمنه سياسياً غالياً، خصوصاً بعد التورط في حروب الشرق الأوسط الدموية.
من هذا المنطلق، تقرأ مصادر سياسية مراقبة، عبر "النشرة"، كلام وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغللو، الداعي إلى فتح حوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان قد سبقه موقف لافت للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، يعلن عن نية باريس إرسال طائراتها لقصف مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي داخل الأراضي السورية، بعد أن كان دورها ينحصر بتلك الموجودة في العراق، كي لا يستفيد من دورها الجيش السوري.
بالنسبة إلى هذه المصادر، المصالح هي المحرك الوحيد للمواقف، التي تعبّر عنها الدول الكبرى من خلال سياساتها الخارجية، بغض النظر عن المبادىء والشعارات الإنسانية الفضفاضة، وتعتبر أن المصلحة الأوروبية اليوم، بعد فشل الحرب على دمشق، هي إبعاد خطر الجماعات الإرهابية عن أراضيها، بالإضافة إلى وقف حركة الهجرة غير الشرعية نحوها، خصوصاً أن هناك معلومات عن دخول عناصر متطرفة إلى بلدانها من خلال هذه الطريقة، الأمر الذي يهدد أمنها القومي، لا سيما بعد وقوع أكثر من عملية إرهابية في الفترة السابقة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه أن أجهزة المخابرات الأوروبية تلعب دوراً بارزاً على هذا الصعيد، لا تتوقع هذه المصادر تبدلاً كاملاً في الموقف خلال وقت قصير، لا سيما أن بعض البلدان الأوروبية مرتبط بتحالفات جديدة مع البلدان الخليجية، تقوم في الأصل على صفقات السلاح مقابل الدعم في السياسات الخارجية، لكنها تشير إلى أن هناك ما يمكن البناء عليه في المستقبل، وتتوقع أن تعمد المزيد من العواصم الأوروبية إلى توضيح موقفها بشكل علني في المرحلة المقبلة، لا سيما بعد تصديق الإتفاق النووي الإيراني في الدوائر التشريعية في كل من واشنطن وطهران.
على صعيد متصل، تشير المصادر السياسية المطلعة إلى أن هاتين الأزمتين، لا سيما اللاجئين، تلعب دوراً بارزاً على صعيد السياسات الداخلية في البلدان الأوروبية، حيث تكسب من خلالها الأحزاب اليمينية المزيد من النقاط، بسبب رفضها إستقبالهم بشكل مطلق تحت أي عنوان، وترى أن هذا العامل سيكون الأكثر تأثيراً على مواقف بعض الدول، لا سيما تلك التي لديها إستحقاقات إنتخابية في وقت قريب، وتلفت إلى أن هذه الأحزاب كانت في الأصل قد حسنت من مستوى تمثيلها الشعبي في الفترة السابقة، مستفيدة من عجز حكومات الأحزاب الأخرى عن مواجهة الأزمات المتعددة، وتضيف: "الحركات المعادية لإستقبال المهاجرين من الشرق الأوسط تكبر كل يوم".
في ظل هذه المعطيات، سيكون من مصلحة معظم البلدان الأوروبية، بحسب المصادر نفسها، البحث عن معالجة الأسباب الحقيقية لهذه الأزمات، التي تتطلب قبل أي أمر آخر الذهاب نحو حلول سياسية لأزمة الشرق الأوسط، والمبادرة إلى القيام بحملة حقيقية لمكافحة الإرهاب، لا تكون شكلية كتلك القائمة حالياً، ما يعني بشكل حاسم فتح باب الحوار مع القيادة السورية بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عبر الإتصالات والمشاورات القائمة مع روسيا وإيران، لكن المؤكد أن موسكو ليست في وارد التخلي عن الرئيس الأسد، حليفها الأول على مستوى المنطقة، خصوصاً أنها تعلن بشكل مستمر عن تقديم المزيد من المساعدات العسكرية له، لدعمه في المواجهات التي يخوضها على كافة الجبهات، وتعمل على التأكيد على أهمية دوره في مكافحة التطرف.
في المحصلة، تنتظر المنطقة جملة من التحولات الكبرى، التي قد يكون من المبكر ظهور معالمها بشكل واضح، لكن الموقف الأوروبي بدأ ينحو باتجاه البحث عن حلول سلمية، لن تكون دمشق بعيدة عنها.