لم يخش اللبنانيون طوال السنوات الـ4 الماضية، اي منذ اندلاع الأزمة في سوريا وما تلاها من أزمات في المنطقة، تهدد كيان أوطان بحالها، من امتداد الحرائق اليهم بعد تطمينات دولية تلقوها من أكثر من طرف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية حول وجود مظلة تقي لبنان اهتزازات أمنية ترمي به في البركان المشتعل على مرمى حجر من حدوده الشرقية. فلا المواجهات بين "داعش" و​الجيش اللبناني​ من جهة ولا تلك المستمرة ما بين التنظيمات المتطرفة و"حزب الله" من جهة أخرى على الحدود وأحيانا كثيرة داخل الاراضي اللبنانية، أثارت الهلع في الداخل اللبناني الذي بقي مطمئنا بأنّها مواجهات ستنتهي في مكانها وزمانها دون امتدادها اليهم.

الا أن آخر المعلومات تشير الى بروز مخاوف من انفلات أمني بعد تصدع المظلة الدولية التي تحمي لبنان والدخول في لعبة الشارع على خلفية الحراك الشعبي الأخير المحتج على تردي الاوضاع المعيشية وأزمة ​النفايات​ المستمرة.

وتشير مصادر في قوى "​8 آذار​" الى حالة من القلق تسيطر على المشهد اللبناني العام في ظل التأزم السياسي الذي قد يتصاعد في الأيام المقبلة منعكسا على الوضع الأمني، لافتة الى أنّه "وبعكس ما يعتقد البعض هناك اجزاء في المشهد تحت السيطرة لكن أجزاء أخرى لا يمكن السيطرة عليها وهي قد تفلت من أيدي الجميع في أي لحظة".

وبالرغم من رضوخ كل الفرقاء، ما عدا رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​، لوجوب الجلوس على ​طاولة الحوار​ التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تؤكد كل المعطيات فشل هذه الطاولة قبل انطلاق أعمالها، حتى أنّها تشير الى امكانية أن تكون جلسة الحوار يتيمة نظرا للتأزم السياسي الذي يلبّد الأجواء.

وترد المصادر تشاؤمها الى "تصدع العلاقات بين الحلفاء، فلكل فريق ورقتان يلعبهما، الاولى علنية يمسك بها بيده وأخرى مخبأة في الجيب قد يلعبها في حالة الطوارئ"، وتضيف: "لم يعد اي فريق سياسي يثق تماما بالفريق الحليف، باعتبار ان المعطيات الحالية تؤكد ان كلاً منهم يقلّع شوكه بيديه، فيُظهر للأخصام أنّه يرتب أموره مع حليفه وهو حقيقة متوجس منه ويعمل منفردا".

وتبدو العلاقة الحالية بين "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" والتي قد يعتقد البعض أنّها الافضل مقارنة بباقي الاطراف السياسيين، بأسوأ أحوالها، فبعد توجس المستقبليين من الزيارة الاخيرة التي قام بها جعجع الى المملكة العربية السعودية، قرر زيارة قطر من دون مقدمات بعيد اعلانه مقاطعة الحوار الذي رحب به رئيس "المستقبل" ​سعد الحريري​ وقرر المشاركة فيه من دون استشارة حليفه المسيحي الأبرز.

وحتى ولو نجح "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" بادارة خلافاتهما والتوصل لوضع "رؤية مشتركة" يطرحونها على طاولة الحوار عنوانها "العودة الى الشعب" اما عبر الانتخابات النيابية او الرئاسية، الا ان الطرفين تنطبق عليهما في النهاية المقولة السابق ذكرها لجهة ان كلاً منهما في نهاية النهار يعمل على نزع شوكه بيديه.

وتشير المصادر الى انّه وبعدما كان "حزب الله" يتعاطى بالكثير من الحذر مع الحراك الشعبي وبالتحديد مع انطلاقته ويدعمه فقط لـ"رفع العتب" خاصة بعدما عمد المنظمون لرفع صورة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مع باقي صور السياسيين المتهمين بالفساد، أصبح الحزب يجد نفسه أكثر فأكثر جزءا من هذا الحراك الذي بات يصوّب من حيث يدري أو لا يدري على "تيار المستقبل"، من خلال دفعه لانتخابات نيابية تسبق تلك الرئاسية وهو ما يرفضه التيار الأزرق جملة وتفصيلا.

بالمحصلة، تبدو الأيام المقبلة مثقلة بالتأزم السياسي بعدما عمد رئيس المجلس النيابي وحتى قبل انطلاقة طاولة الحوار الى تحميل كل القوى مسبقا مسؤولية اي فشل مرتقب، بمؤشر واضح الى أن الدعوة الى الطاولة كان هدفها الرئيسي تنفيس زخم الحراك الشعبي وليس تحقيق انجازات سياسية يُدرك بري جيدا أنّها غير متاحة في المدى المنظور.