ان يقول رئيس الوزراء الأسترالي طوني أبوت ان "الغارات الاسترالية في سوريا ستركز على استهداف داعش وليس نظام الرئيس بشار الاسد"، ويتحدث وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن استعداد بلاده للقبول ببقاء الاسد في الفترة الانتقالية، ويقول وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتز "ان على الدول الغربية ان تشرك الاسد في الحرب على داعش"، ويرى وزير الخارجية الإسباني جوزي مانويل غارسيا مارغال إن المفاوضات مع الأسد ضرورية لإنهاء الحرب. فهذا يعني اولا ان كل ما كان يُقال سراً صار علناً، تبرره الدول الاوروبية بوجوب الاتحاد والتعاون لمحاربة الارهاب.
في الأشهر الماضية تبادلت دمشق مع عواصم غربية معلومات عن الإرهابيين، لكن بقي التعاون الجدي مرهوناً بإعادة الاعتراف بدور "سوريا الاسد". يومها ضغطت الاجهزة الامنية في الدول الاوروبية على حكوماتها لتغيير المواقف إزاء دمشق وفتح السفارات بناء على اشتراط السوريين. كانت اجهزة الاستخبارات في تلك الدول تعرف ان محاربة الارهاب في سوريا تستلزم قوى برية لقتال المتطرفين والتنسيق مع الدولة السورية. لم تنجح مشاريع إعداد مقاتلين معتدلين غير متطرفين. كل المسلحين مصنفون عمليا في دمشق في خانة الإرهابيين. لم ينجز مشروع "الجيش السوري الحر". سقط امام أسهل الاختبارات. لا وجود له في معظم المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، لا بل تُمنع رايته الخضراء التي حلت مكانها رايات سوداء لتنظيم "داعش" او جبهة "النصرة".
كان الامنيون في اوروبا يدركون ان محاربة الارهاب لن تتم الا عبر الجيش السوري، لكن المكابرة السياسية والمصالح منعت اتمام التعاون الأوروبي-السوري.
اليوم يتدرج الاعتراف بدور السلطات السورية. لم يعد مطلب "رحيل الاسد" أولوية. الأهم بالنسبة الى عواصم العالم هو ضبط الامن. فماذا جرى؟
أجرت مراكز الدراسات والإحصاء في عدد من الدول الاوروبية قراءات موثقة حول اعداد اللاجئين السوريين وسبل ضبط هجرتهم غير الشرعية. لم تنجح كل الوسائل في الحد من تزايد أرقام الهاربين. كانت الحصيلة العلمية تفيد ان الارهاب يتوسع والحاجة تتطلب فرملة الهجرة غير الشرعية التي اجتاحت اوروبا دفعات واحدة وسُميت بالقنابل الموقوتة خشية وجود إرهابيين بين اللاجئين المدنيين.
قبل الحادثة المأساوية للطفل إيلان كردي، أصيبت الدول الاوروبية بقلق متزايد: كيف نواجه الزاحفين إلينا من سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس وغيرها؟ ما هو الحل للحد من الهجرة غير الشرعية؟ ماذا لو احتوت المراكب التي تبحر الى اوروبا إرهابيين مدسوسين بين السوريين؟
أتت حادثة غرق أيلان تأخذ حيزا واسعا من الاهتمام الاعلامي الدولي، وتشكل مسارا مختلفاً تحت عنوان وجوب استقبال اللاجئين او حل القضية. تم توزيع الاعداد والمهام. هناك من رصد انطلاقا من هذا الباب تحولات سياسية هادئة تجمع التناقضات.
استيعاب أوروبي للاجئين واكبته خارطة طريق حول سوريا قائمة على اساس وجوب الحل السياسي مهما تكن السبل والنتائج. لذلك جرى الاعتراف بنظام الرئيس بشار الاسد كممر إلزامي لمحاربة الارهاب.
في جانب اهم كانت روسيا تتقدم خطوات عملية في الدعم العسكري لسوريا. القصة لم تبدأ منذ ايام. تعود الحكاية الى قرار سوري- روسي مشترك بوضع خطة عسكرية تحاكي التطورات الميدانية، وتعيد اجهزة المراقبة الروسية الى مواقعها في الجنوب السوري بشكل أساسي. هذا ما حصل. يُحكى هنا عن عديد وعتاد روسي ثقيل وصل الى منطقة الساحل السوري واستقرّ في منطقة جبلة تحديدا.
ما يعزز حقيقة الاندفاعة الروسية هي التصريحات الاميركية من جهة اعتراضا او انتقادا وتحذيراً، والضغط على عواصم حليفة لواشنطن لمنع الطيران الروسي من العبور فوقها في طريقه الى سوريا. لكن موسكو ماضية قدماً من دون اي تجميد او تأخير للمخططات الروسية- السورية العسكرية التي اطلعت ايران على مساراتها.
هناك من يشكك بصدقية الأميركيين حول اعتراضاتهم على تدخل روسيا في سوريا. يقول هؤلاء ان الاتفاق حصل بين موسكو و واشنطن ويجري تنفيذه الان على قاعدة محاربة الروس للإرهاب.
بالمحصلة يحقق الرئيس السوري بشار الاسد ما كان يصبو اليه على طريق الانتصار على الارهاب . هو استطاع ان يفرض تغييرا متدرجاً في السياسة الغربية تجاه بلاده من مرحلة "مطلب الرحيل" الى "البقاء بشروط" وما هو أبعد. ونجح في اعادة الربط بين دمشق والقاهرة. ما يجري في العاصمتين اكبر من تنسيق مشترك في الامن وسيتبعه خطوات سياسية لا محالة. يجمع مصر بسوريا تاريخ وقومية وهنا الاهمية. يجري استحضارها الآن في ظل وجود عدو واحد للدولتين هو الارهاب. فماذا سيحمل الغد الى سوريا؟