محمّلاً بتأكيدات عن التزام روسيا بـ«قضايا العرب»، عاد وفد «اللقاء الوطني» الذي يرأسه الوزير السابق عبد الرحيم مراد إلى بيروت الجمعة الماضي، بعد لقاءين طويلين مع نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، ونائب رئيس مجلس الشيوخ الروسي، إلياس ماخانوف. لا يكاد يتّسع الوقت لوزير الدفاع السابق، رئيس حزب الاتحاد، للاستراحة بين الرحلة والرحلة، وإعادة توضيب أغراض السفر، من موسكو إلى البقاع اللبناني في عطلة نهاية الأسبوع، حيث تتوسّع حركة مناصريه والمؤسسات التربوية، ثم إلى أوروبا فجر اليوم، ومنها إلى مصر... وربّما الخليج.
وليس غريباً في زمن التمسّك الروسي بـ«عروبة السنّة في العالم العربي»، أن تسارع الخارجية الروسية إلى الاهتمام بمساعي الدكتور وائل أرزوني، ممثّل «اللقاء الوطني» في موسكو، إلى استقبال مراد وأعضاء اللقاء النائبين قاسم هاشم والوليد سكرية وأمين السر في اللقاء هشام طبارة.
زائر موسكو هذه الأيام، بحسب مراد، يخرج بانطباعات عن إصرار الروس على العودة إلى «زمن الامبراطورية الروسية»، «والرئيس بوتين لديه سنوات عدة في الحكم بعد، وهو مستمرٌ في العمل على تقدم الدور الروسي في العالم». وعلى ما يقول رئيس حزب الاتحاد، «تم الحديث طويلاً عن دول البريكس، واستمعنا إلى تطمينات عن مفاجآت في ما خصّ العملة الجديدة وربما عن بنك دولي جديد».
وبعيداً عن زيارة روسيا، لا يتردد مراد في الإجابة عن تطوّر دور «اللقاء الوطني» في الآونة الأخيرة، ربطاً بالظروف التي يمرّ بها تيّار المستقبل، بالقول إن «زمن احتكار السنّة في لبنان من قبل آل الحريري انتهى»، فلا يمكن وضع السنّة أمام خيارين فقط: إمّا «داعش» أو «صحوات». ويضيف: «السنّة في لبنان هم تاريخياً الدور الوطني وصمام الأمان في اللحمة بين اللبنانيين»، مؤكداً «أننا نسمع من السعوديين أنهم يريدون الانفتاح على الجميع في لبنان». وعلّق على طاولة الحوار التي انعقدت أخيراً بدعوة من الرئيس نبيه برّي، بأن «الحوار أمر ممتاز، لكن كنّا نتمنى من الرئيس برّي أن تتمثّل فيها كل القوى السياسية والفعاليات والنقابات، وأن تُطرح في الحوار الانتخابات النيابية قبل انتخابات الرئاسة، لأن الحديث في الرئاسة هو تأجيل للمشكل».
مراد نقل في لقاء مع «الأخبار» فحوى الموقف الروسي من أزمات المنطقة، وفي مقدمها الأزمة السورية.
نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي أمضى سنوات عديدة في لبنان وسوريا والعراق منذ السبعينيات، ويتكلم العربية بطلاقة، و«صديق منذ أيام الحركة الوطنية، مهتم جدّاً بمفهوم العروبة، ويؤكّد أن مفهوم العروبة مستهدف في سوريا» يقول مراد في لقاء مع «الأخبار».
الحديث عن العالم العربي في روسيا يبدأ وينتهي في سوريا، إذ لا تقلّ حماسة الدبلوماسية الروسية عن الدعم العسكري الذي ارتفعت وتيرته في الآونة الأخيرة لمصلحة الجيش السوري. «معركة سوريا هي معركة روسيا، وأمن دمشق من أمن موسكو، ونحن حريصون على وحدة سوريا»، يقول بوغدانوف. ويضيف الدبلوماسي الروسي المحنّك أن «انتصار سوريا على الإرهاب هو انتصار لروسيا وأوروبا، ونحاول إقناع الأميركيين بأن انتصار الجيش السوري على الإرهاب هو انتصار لهم أيضاً، لأنه باتت هناك أممية في الإرهاب». وأكد بوغدانوف أمام الوفد أن «روسيا لن تتوانى عن تقديم كل الدعم العسكري والسياسي والمادي للدولة السورية في حربها ضد الإرهاب».
وتوافق بوغدانوف ونائب رئيس مجلس الشيوخ الروسي، إلياس ماخانوف، على أن «هناك خلافاً مع الأميركيين حول رؤية الحل في سوريا. فهم يطالبون بسقوط النظام وتنحية الرئيس. النظام والرئيس والجيش في سوريا واحد، ونحن نسألهم: ما هو البديل من الأسد والجيش؟ برأينا لا بديل للأسد سوى الفوضى وداعش. وإذا سقط النظام فستكون دمشق عاصمة داعش. من هنا نصرّ على الجميع للإسراع في الحل السياسي، وإلى تحالف دول المنطقة ضد داعش».
وفي الحديث عن مؤتمر جنيف 1، قال بوغدانوف إن «الأميركيين كان لديهم مشروع إزاحة الرئيس الأسد من معادلة أي حل، ولم نوافق في حينه، ونحن ملتزمون بوثيقة جنيف 1، وهي توافقية دولية». ويضيف الدبلوماسي أن «طرحنا مبدئي في سوريا، لأننا ضد التدخل في شأن أي دولة ذات سيادة، وسوريا دولة ذات سيادة، وهذا ما تؤكّد عليه الشرعية الدولية وشرعة الأمم المتحدة. نحن نبني العلاقات مع الدول على أساس الموقف المبدئي، لم نغيّر موقفنا منذ اليوم الأول ولن يتغيّر. ونحن متفاهمون مع سوريا، والمؤتمرات الدولية من موسكو 1 إلى موسكو 2 ومن جنيف 1 إلى 2، إلى جنيف 3 الذي نعمل بكل جهدٍ لعقده، حتماً ستقود إلى حل مناسب للجميع».
ولم يبدِ بوغدانوف تفاؤلاً بحلّ سريع في سوريا، لأن «الأميركيين لا يزالون عند موقفهم». لكنّه يؤكّد «أننا نقوم بمساعٍ مكثّفة لعقد جنيف 3، وننتظر أن نتبلّغ من الأميركيين والسعوديين أسماء شخصيات المعارضة التي تريد المشاركة في المؤتمر (40 شخصية)». ويضيف الدبلوماسي الروسي: «الإرهاب وصل إلى أفريقيا وأوروبا ويتمدّد. والأميركيون إذا استمروا في عرقلة الحلول، فهذا يعني أنهم يعملون على نشر الإرهاب مع أصدقائهم في المنطقة، كما افتعلوا الأزمة في أوكرانيا، وأنهم يسعون إلى تغيير الخريطة وفقاً لمصالحهم».
وينقل مراد عن بوغدانوف قوله إن «العلاقة بين مصر وروسيا استراتيجية»، وتأكيده على «ضرورة تعزيز العلاقات سريعاً بين مصر وسوريا لمكافحة الإرهاب»، وأنه «مازح المصريين بالقول إنهم قد يحتاجون يوماً للعودة إلى زمن الوحدة مع سوريا».
وعبّر بوغدانوف عن اهتمام بلاده بـ«الوصول سريعاً إلى حلّ سياسي في اليمن»، مشيراً إلى أن «الروس يحمّلون مسؤولية تدهور الأوضاع إلى طرفي الصراع»، وأن «استمرار الحرب في اليمن استنزاف للجميع، ويجب التنازل من الطرفين للوصول إلى الحل السياسي بشكل سريع».
«الانتخابات النيابية أولاً» في لبنان
وفيما عبّر بوغدانوف عن «الأسف لتشقّق الصف الفلسطيني بما يهدّد بضياع القضية الفلسطينية»، أبدى اهتماماً بالشأن اللبناني. وبحسب مراد، استمع المسؤول الروسي الى رؤية «اللقاء» للأزمة اللبنانية، و«توافقت وجهتا الطرفين حول ضرورة إجراء الانتخابات النيابية أوّلاً وسريعاً، حتى لا تتعمّق الأزمة».